يبدو أن الخطة الأمريكية التي أعدتها إدارة دونالد ترامب من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي تم الإعلان عنها خلال الأسبوع المنقضي، أكدت بما لا يدع مجالا للشك تموقع الرئيس الأمريكي في هذه الأزمة إلى جانب فلاديمير بوتين. فبحسب ما ورد من أنباء حول بنودها، يبدو أن خطة السلام اعتمدت بشكل واضح على مطالب موسكو دون الأخذ بعين الاعتبار، لا الموقف الأوكراني ولا الموقف الأوروبي. إذ لم تشارك لا كييف ولا بروكسيل على ما يبدو في بلورة المقترح. مثل هذا الانخراط الصريح من دونالد ترامب يقطع شكا مصطنعا كان بعض الساسة والمحللين في أوروبا يعبرون عنه باعتبار الرئيس الأمريكي غير واضح أو متقلب المزاج. 

فمن الواضح أن الخطة الأمريكية في نقاطها الرئيسية، تستجيب بدون أدنى شك لمطالب بوتين الرئيسية وهي تخلي أوكرانيا على كل الأراضي الشرقية التي احتلتها روسيا ونسبتها 20 بالمائة من مجمل مساحتها. ثم تحديد الجيش الأوكراني ب 400 ألف عنصر، بالإضافة إلى عدم انضمام كييف إلى حلف الناتو. نضيف إلى ذلك بعض النقاط الأخرى مثل وضع اللغة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية.

هكذا تبدو خطة واشنطن بمثابة عرض استسلام على فلوديمير زيلنسكي، وهو ما يراه أغلب الشارع الأوكراني. لذلك نفهم ترحيب بوتين بالخطة كقاعدة لمناقشة السلام، وهو الذي رفض سابقا مختلف المقترحات الأمريكية.

مثلها مثل خطة سلام غزة، تعتمد وثيقة سلام دونالد ترامب مبدأ القوة والواقع العسكري دون منطق السيادة والحقوق والقانون، وهو ما يريده بوتين كما أراده نتنياهو في حالة غزة.

في المقابل، يجد زيلنسكي نفسه في زاوية تحت ضغط ثلاثي، ضغط الرئيس ترامب للقبول السريع بالاستسلام مع التلويح بقطع المساعدات، وضغط الواقع الميداني للحرب حيث تتقدم روسيا تدريجيا، ثم ضغط الرأي العام الأوكراني الذي لا يقبل بسلام مذل. في نفس الوضعية أيضا تجد أوروبا نفسها بما أنه وقع تهميشها في المبادرة الأخيرة. بل ربما كان توجه فريق دونالد ترامب لإعداد خطة الاستسلام هذه كطريقة لتطويق التوجه الأوروبي وخاصة الفرنسي منه نحو تعزيز القدرات العسكرية لكييف.    

في مثل هذا الوضع، على أوروبا أن تلعب دورا أكثر حيوية بناء على معطيين ثابتين، أن دونالد ترامب حليف لبوتين، ثم أن هذا الأخير لا يؤمن بسلام دائم، بل يؤمن بحرب متواصلة تتغير جغرافيتها كل مرة. ويعني ذلك إما الانخراط في التمشي الأمريكي والعمل على تعديله، أو ربح الوقت والحد من الخسائر في انتظار رحيل حليف بوتين عن الحكم في واشنطن.