أبحرت سفينة صحار من ميناء مسقط بسلطنة عُمان إلى ميناء كانتون بجمهورية الصين الشعبية في 23 نوفمبر 1980م بمناسبة الذكرى العاشرة لاحتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطني إحياءً لتراث عُمان البحري. وقاد السفينة بنجاح الرحالة البريطاني تيم سيفيرين ومجموعة من الملاحين العُمانيين وعلماء لدراسة الكائنات الحية. حيث شكّل موقع عُمان الجغرافي والطبيعي أهمية بالغة في التواصل مع الحضارات القديمة، وساهمت عُمان بدور تاريخي في النشاط التجاري البحري في منطقة الشرق الأدنى القديم وفي صياغة الأحداث التاريخية المهمة لهذه المنطقة، وأصبحت عُمان مهد الملاحة البحرية بفضل الرواد الأوائل للبحارة العُمانيين الذين جعلوا منها قبلة وواجهة بحرية بكثرة سفنها ونوعيتها وبنشاطها التجاري البحري الواسع، فغدا البحر شريان لنشر التواصل بين الأمم. حيث تطل عُمان على مسطحات مائية واسعة كان لها أثر عميق على مسيرتها التاريخية والحضارية كالمحيط الهندي وبحر العرب، وبحر عُمان، والخليج العربي. وتتوافر بها المرافئ الطبيعية التي مهدت لقيام حركة ملاحية بحرية واسعة شكّلت حلقة وصل بين أعرق حضارات العالم القديم، كبلاد الرافدين والهند والسند وفارس والصين وصولاً إلى مناطق البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وسواحل شرق إفريقيا منذ العصر الحجري الحديث والبرونزي والحديدي والعصور الوسطى وصولاً إلى العصر الحديث. ويبلغ طول السواحل العُمانية حالياً 3165 كم، وشهدت الملاحة البحرية اهتماماً بالغاً وتطوراً مستمراً من حيث التوسع والكفاءة، في بناء السفن الحديثة والقواعد البحرية والموانئ والمرافئ البحرية على طول الساحل العُماني لتلعب دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية لسلطنة عُمان.وإحياءً لتراث عُمان البحري أبحرت بعض السفن الشراعية منها سفينة صحار عام 1980م إلى الصين، وجوهرة مسقط عام 2010م إلى سنغافورة، احياءً للمسار البحري القديم وتوثيقاً للعلاقات العُمانية البحرية عبر التاريخ. وخصّص جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- اليخت السلطاني فُلك السلامة عام 1990م للقيام برحلة تاريخية نظمتها اليونسكو تحت عنوان: (دروب الحوار بين الحضارات)، وقطعت السفينة المسافة بين مدينة البندقية في إيطاليا وصولاً إلى مدينة أوساكا في اليابان على امتداد طريق الحرير البحري. كما قامت السفن البحرية العُمانية ومنها الشراعية كشباب عُمان الأولى والثانية وزينة البحار، وكذلك السفن: قاهر الأمواج، والنجاح، ونصر البحر، والمؤزر بزيارة العديد من موانئ العالم وشاركت في المسابقات الدولية البحرية تعزيزاً للعلاقات الودية وأواصر الصداقة والمحبة والسلام التي تربط عُمان بمختلف دول العالم تجسيداً لدور عُمان البحري، فكانت عُمان ولا زالت مهداً للملاحة البحرية وأرضاً للسلام والمحبة والوئام والصداقة لجميع شعوب العالم.ونقتبس من خطاب جلالة السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- في العيد الوطني السادس والعشرين، 18 نوفمبر 1996م:
"نود ونحن على مقربة من تلك السواحل المضمّخة برائحة السفن العتيقة في أن نعبر بادئ الأمر عن اعتزازنا العظيم بتاريخ عُمان البحري الذي سطّرته تلك الصواري الشامخة التي اندفعت في ذلك الماضي الموشّى بالمجد، من مختلف الموانئ العُمانية، تمخر العباب المتلاطم في طموح فتي، مجسدة قوة هذا البلد وقدرته، وهيبته وعزّته، ورغبته في التواصل مع حضارات الأمم كلها، القريبة منها والبعيدة. كما نود بعد ذلك أن نذكّر الأجيال الصاعدة بتلك الهمّة العالية لأجدادهم الأمجاد الذين ركبوا صهوات البحار. وشقّوا أمواجها العاتية، ونازلوا عواصفها الهائجة، طلباً للعيش الكريم، ورغبة في العمل الشريف، وإن كانت تكتنفه الصعاب، وتحيط به المشاق من كل جانب".الجدير بالإشارة أن وزارة التراث والثقافة وثقت رحلة السفينة صحار إلى الصين في عام 1980م من خلال كتاب في سلسلة تراثنا بعنوان: "في أعقاب السندباد"، كتبه قبطان السفينة تيم سيفيرين، ويتضمن الكتاب مقدمة لصاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد وزير التراث والثقافة، مما جاء فيها: "ومما لا شك فيه أن سفينة صحار بنيت على النفقة الخاصة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، ورعت هذا العمل منذ البداية وزارة التراث والثقافة التي سخرت الكثير من وقتها وجهدها لإنجاح مشروع الرحلة". ويضيف: "وفي الحقيقة أن السفينة صحار بنيت في مدينة صور بالمنطقة الشرقية من البلاد، وذلك بالطرق التقليدية التي كان يمارسها العُمانيون منذ أقدم الأزمنة حيث بنيت بألواح من الخشب العيني القوي والمشدود بحبال جوز الهند دون استخدام للمسامير الحديدية، وقد طليت السفينة من الخارج بمزيج من الجير والصمغ الشجري، ومن الداخل بزيت نباتي". وقد أشار سموه أن طول السفينة يبلغ 87 قدماً وبها شراعان كبيران وشراع ثالث في مقدمتها وسارية رئيسية طولها 75 قدماً، أما وزن السفينة فهو طن واحد، واستغرق بناؤها 165 يوماً.
وعقب إبحار سفينة صحار في 23 نوفمبر 1980م مرّت السفينة بشواطئ الهند وسيرلانكا وأندونيسيا وماليزيا والصين حتى وصولها إلى كانتون في 10 يوليو 1981م حيث استغرقت الرحلة سبعة أشهر ونصف قطعت 6000 ميل بحري. وبعد وصول السفينة مباشرة أُقيم احتفال رسمي وشعبي كبير في مدينة كانتون حضره سمو السيد فيصل بن علي آل سعيد وزير التراث والثقافة، وسعادة الشيخ مستهيل بن أحمد المعشني وكيل وزارة شؤون الديوان السلطاني وعدد آخر من أعضاء الوفد العُماني. كما حضره عن الجانب الصيني محافظ مدينة كانتون ووزير العلاقات الثقافية الصيني وعدد آخر من المسؤولين الصينيين وجموع غفيرة من أبناء الشعب الصيني.
ولا شك أن رحلة سفينة صحار كانت رحلة تاريخية مهمة أعادت لعُمان ما كان لها من دور حضاري رائد في ميدان الملاحة البحرية والتجارة الدولية التي اشتهرت بها منذ القدم، ويذكر تيم سيفيرين هذه الحقيقة بقوله: "أننا قد أنجزنا ما عقدنا العزم على إنجازه واقتفينا أثر قصص السندباد وقطعنا ربع المسافة حول العالم كل ذلك جعل رحلة السندباد العُماني واقعاً حقيقياً".
الجدير بالذكر أيضا، في نوفمبر 2021م أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي على قائمة الشخصيات المؤثرة عالمياً، وذلك بمناسبة مرور 600 عام على ميلاده. حيث يعد الملاح العُماني شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد السعدي، أشهر ملاحي عُمان والعرب، ولد في عام 821هـ/ 1418م، وتوفي في عام 906هـ/ 1501م. يعد ابن ماجد مؤسس قواعد علم الملاحة البحرية، ومطور الإبرة المغناطيسية (البوصلة الملاحية) المستخدمة في تحديد الاتجاهات البحرية، ومخترع آلة الوردة التي تستخدم في تحديد اتجاهات الرياح أثناء الإبحار، ومخترع آلة الخشبات الثلاثة لقياس النجوم، ومكتشف الطريق البحري الذي يربط الساحل الشرقي للقارة الأفريقية بالهند وسيلان وجاوة. وقد ترك ابن ماجد آثارا علمية في علوم البحار جاوزت 40 كتابا ومنظومة وأهمها: الأرجوزة التائية، والأرجوزة السفالية، والأرجوزة المعلقية، ومن أشهر مؤلفاته أيضا كتاب "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد". وانتشرت مؤلفاته في المكتبات الأوربية، وترجمت إلى عدة لغات، وبنيت عليها أساليب الملاحة الأوروبية الحديثة.ختاماً، لكل تلك الإنجازات عبر التاريخ الإنساني عُرف العُمانيون بأنهم أسياد البحار.