تم يوم أمس السبت 8 فبراير الإعلان عن ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة التي يترأسها القاضي نواف سلام، وذلك بعد أسابيع من المفاوضات العسيرة، وفي ظرف استثنائي حمل تغييرات عميقة على مستوى موازين القوى السياسية.
طبعا، تعوّد لبنان على هكذا ولادات عسيرة لحكوماته، لكن حكومة سلام قد تكون فاتحة لبناء دولة لبنان بالمعنى الكامل، بعيداً عن ضغط المعطى المجتمعي الطائفي داخلياً، وبعيداً أيضاً عن ضرب السيادة الوطنية من طرف القوى الإقليمية.
ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة تختلف عن ولادة مثيلاتها تقريباً منذ تسعينات القرن الماضي. إذ لأول مرة يتراجع نفوذ قوة كبيرة، مجتمعياً وسياساً وجيوستراتيجياً بحجم حزب الله، مع ما يعنيه ذلك ربما من تراجع قوة الطرف الشيعي.
فالضربات العسكرية التي تلقاها حزب الله في مواجهته مع إسرائيل غيرت المعادلة السياسية الداخلية بتراجع القوة العسكرية لهذا التنظيم، الذي كان بمثابة الدولة داخل الدولة.
ربما نضيف إلى ذلك فقدان الساحة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد وخروج قوات حزب الله من هناك في صورة المهزوم.
تراجع نفوذ حزب الله داخلياً يبرز من خلال غيابه، الرسمي على الأقل، عن التشكيل الحكومي الجديد، بالرغم من أنه شارك في المفاوضات مع نواف سلام.
ويبدو أن ذلك كان بتأثير مباشر من واشنطن وربما حتى من السعودية، لاعتبار مشاركة حزب الله خطاً أحمر لتلقي المساعدات. قد يمثل ذلك فرصة للمرور فعلاً نحو مسار سياسي أقل خضوعاً للضغط الطائفي. غير أن المشكل السياسي اللبناني في عمقه لا يتمثل فقط في حزب الله، بل في الظاهرة الطائفية التي تنتصب فوق الدولة كي تدير الحياة السياسية لصالح الأطراف الطائفية على حساب الدولة.
لذلك، يعتبر التحدي الحقيقي القادم هو اقتناص فرصة السياق الجديد لمراجعة العملية السياسية اللبنانية برمتها باتجاه ضرب الطائفية كمعطى مجتمعي وسياسي، مع ما يتطلبه ذلك من تغيير للدستور وللقانون الانتخابي. في نفس الوقت يبقى هذا التوجه رهين تعامل القوى الأخرى مع التغيير وليس فقط اقتناصه كفرصة لسد فراغ طائفي.
يمثل السياق الجديد من جهة ثانية فرصة لانبعاث لبنان السيادة الوطنية. فسقوط نظام الأسد وتراجع النفوذ الإيراني يمثلان فرصة مهمة لتحقيق سيادة وطنية لبنانية حقيقية لم توجد منذ انبعث البلد.
وهذا يبقى رهين الفاعلين السياسيين في لبنان في حال تم تجاوز طائفيتهم وخاصة إذا تم تفادي تعويض قوى حامية متراجعة بقوى حامية جديدة. فعلى المسار اللبناني الجديد أن يكون مشروعا لخلق اللبناني المواطن والدولة اللبنانية كإطار مواطني.