لم يمض على وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض مئة يوم، إلا أنه افلح في هذه الفترة القصيرة نسبيا في أن يقلب التحالفات السياسية والاقتصادية في العالم رأسا على عقب. في هذا العالم الجديد روسيا أصبحت صديقة وأوروبا أصبحت بائسة. يوم الأربعاء الماضي حين فرض ترامب رسوما جمركية غير مسبوقة لم يفرق بين الخصوم مثل الصين، والأصدقاء القدامى مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، ما خلق مرحلة من انعدام اليقين الاقتصادي والسياسي بين أكبر الدول في العالم.
يوم الاربعاء الماضي، شّن الرئيس ترامب حربا تجارية دولية لم يشهدها العالم منذ حوالي قرن من الزمن. وقبل أن يستوعب العالم ما تسبب به، غادر ترامب واشنطن وطار إلى ميامي بولاية فلوريدا ليشارك في مباريات للعبة الغولف برعاية شركة سعودية.
وإذا أصر ترامب على تنفيذ الرسوم الجمركية العالية التي فرضها على معظم دول العالم، وإذا أصرت دول كبيرة مثل الصين وكتل تجارية ضخمة مثل الاتحاد الأوروبي على التمسك بالرسوم المضادة، فهذا يعني أنه لن يفلت إنسان في العالم من الآثار السلبية لهذه الرسوم.
ويحذر المؤرخون والخبراء من تكرار السياسة الكارثية التي تسبب بها قانون الرسوم الجمركية الصادر في سنة 1930 والمعروف باسم Smoot–Hawley الذي وقعه الرئيس هيربرت هوفر، وزاد من حدة الكساد الاقتصادي الذي انزلقت إليه الولايات المتحدة قبل سنة.
وفرض ذلك القانون تعريفات جمركية على أكثر من عشرين ألف مادة تستوردها الولايات المتحدة، ونتج عنه إجراءات حماية مضادة ساهمت في خلق حرب تجارية دولية مكلفة، بقيت تداعياتها السلبية لسنوات.
رئيس وزراء كندا مارك كارني، أعلن أن العلاقات الوثيقة سياسيا وأمنيا التي كانت تربط كندا بالولايات المتحدة قد انتهت، وأن كندا التي تعتبر من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة تبحث عن شركاء تجاريين أخرين.
في المقابل، يسعى الاتحاد الاوروبي إلى توسيع أفق التبادل التجاري مع الصين، بالإضافة إلى البدء بمفاوضات تجارية مع إندونيسيا وماليزيا، والأهم من ذلك مع الهند.
ويرفض الرئيس ترامب الرأي السائد في أوساط الخبراء في شؤون الاقتصاد والتجارة الدولية من أن الرسوم الجمركية أو التعريفات هي ضرائب غير مباشرة يتحملها عادة المستهلك في المجتمعات التي تتعرض لهذه الرسوم.
وفي اليومين التاليين لإعلان ترامب خسرت الأسواق المالية في نيويورك حوالي خمسة آلاف بليون دولار، وهي أكبر خسارة تلحق بهذه الأسواق منذ جائحة كوفيد قبل خمس سنوات.
وهناك مشاعر قلق عميقة تصل إلى حد الذعر في بعض الأوساط المالية من أن تؤدي أي حرب تجارية إلى حالة ركود اقتصادي في العالم، في الوقت الذي حذر فيه مصرف JPMorgan وهو أكبر مصرف في الولايات المتحدة من أن التعريفات التي فرضها ترامب قد زادت من احتمال انزلاق لبلاد إلى حالة ركود اقتصادي بنسبة ستين بالمئة.
وتبين استطلاعات الرأي أن أكثرية الأمريكيين تعارض فرض الرسوم الجمركة الإضافية، لأنها قلقة من زيادة معدلات التضخم التي ستلحق بكل المواد التي يستهلكها الأمريكيون بدءا من الأغذية ومرورا بالسيارات وانتهاء بالأجهزة الإلكترونية.
حتى الآن يحظى الرئيس ترامب بدعم أكثرية المشرعين الجمهوريين في مجلسي الكونغرس، وإن برزت في الأيام الماضية بعض الأصوات الجمهورية التي بدأت تحذر من المضاعفات الاقتصادية الوخيمة التي سيواجهها المستهلك الأمريكي، وكيف يمكن أن يترجم هذا الاستياء الاقتصادي غلى مكاسب سياسية للديموقراطيين في الانتخابات النصفية بعد أقل من سنتين.