يمر إتفاق السلام المنشط في دولة جنوب السودان بأزمة سياسية جديدة شديدة الحساسية، منذ وضع النائب الأول لرئيس الجمهورية و رئيس الحركة الشعبية في المعارضة الدكتور رياك مشار، و عدد من القيادات السياسية و العسكرية في حزبه قيد الإقامة الجبرية، الوضع ينذر بإنفجار خطير إذا لم يتم تداركه بين الشركاء في العملية السلمية و تدخل المجتمع الإقليمي.
 

 يمر إتفاق السلام في دولة جنوب السودان بمنعطف خطير كما يصفه المراقبون ، منذ وضع النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية في المعارضة الدكتور رياك مشار ، و عدد من القيادات السياسية و العسكرية في حزبه قيد الإقامة الجبرية، من قبل الحكومة منذ أذار/مارس المنصرم ، لدواعي التحقيق حول تورطهم في أحداث العنف و تسليح مليشيا (الجيش الأبيض) ضد قوات دفاع جنوب السودان (SSPDF) في مدينة الناصر و تقويض إتفاق السلام كما أفاد بذلك وزير الإعلام و الناطق الرسمي بإسم الحكومة مايكل مكوي لويث .

 و تعمقت الأزمة السياسية بين حزب الرئيس كير و الحركة الشعبية التي يقودها الدكتور رياك مشارك عقب مقتل القائد العام للحامية العسكرية (للجيش دفاع جنوب السودان ) بمقاطعة الناصر اللواء/ مجور داك الذي تم إطلاق النار عليه أثناء محاولة فريق من بعثة الأمم المتحدة السلام  إخراجه و عدد من جنود قوات دفاع جنوب السودان (SSPDF) بأمان في طائرة الهليكوبتر من المنطقة العسكرية بمدينة الناصر بولاية أعالي النيل، مما أدى إلى إطلاق النار من قبل (الجيش الأبيض) على طائرتين و تسبب في مقتل أحد أفراد الطاقم في الحال ، و توفي الأخر لاحقاً في المستشفى ، و إصابة إثنين آخرين ، و لدى خطابه أكد الرئيس سلفاكير عدم العودة بالبلاد إلى الحرب مرة أخرى ، و استطاع تغيير الكثير من الإحتمالات المتوقعة لمعسكرات الداعمة للحرب ، و كان كافياً لقطع الطريق أمام كل الإحتمالات و التكهنات نحو الإنهيار ، كما أشادت بخطابه للأمة السفارات الأجنبية و المنظمات المحلية و الإقليمية بالبلاد،  لتعزيزه فرص التمسك بالسلام وإختيار نهج الحوار مع الشركاء في العملية السلمية في البلاد . 

و تم تصنيف مليشيا (الجيش الأبيض) كمنظمة إرهابية من قبل الإتحاد الأفريقي و حظره من أي دعم أو تمويل أو إرتباط بالجماعة و فرض عقوبات محددة على الأفراد و الكيانات المرتبطة به ، بما في ذلك تجميد الأصول و حظر السفر و القيود المالية في منتصف شهر مارس المنصرم .

لكن الخطوات التي أعقبت تلك الأحداث من التصعيد العسكري في مدينة الناصر وما حولها بين القوات الحكومية (SSPDF) و مليشيا (الجيش الأبيض) كانت مثيرة للمخاوف لدى المواطنين و المراقبين من إنزلاق البلاد إلى حرب يصعب السيطرة عليها  بين شركاء العملية السلمية، خاصة بعد فشل الوساطات الإفريقية و المناشدات الغربية ، لإطلاق سراح المعتقلين السياسين و العسكرين و تبني نهج الحوار .

و تقول الحكومة بأن التحقيقات ما زالت جارية ، و سيتم تقديم المتورطين إلى العدالة أو إعفائهم بعد إنتهاء اللجنة المكلفة من عملها ، ما يعني أن مشوار الحل السياسي ما زال طويلاً ، بما في ذلك معرفة مستقبل قائد الحركة الشعبية في المعارضة و مشاركته في الفترة الإنتقالية الجديدة الممدة حتى ديسمبر من العام المقبل قبيل الإنتخابات الرئاسية .

و كانت قرارات الإقامة الجبرية التي إتخذتها الحكومة ، أعقبتها تشكيلات جديدة داخل الحركة الشعبية في المعارضة الأمانة العامة في جوبا، كما أفاد بذلك لمونتكارلو الدولية السيد/ أقوك ماكور الأمين العام الجديد المكلف للحركة حيث أكد : ( أن مُخرجات الإجتماع الأخير لأعضاء الحزب بعد وضع دكتور مشار في الإحتجاز المنزلي كان الهدف منه الحفاظ على إتفاق السلام من الإنهيار ،و   منع إنفجار الأزمة ، و أن المؤتمرين أيضاً طالبوا  بإطلاق سراح رئيس الحركة الدكتور رياك مشار و المعتقلين معه ، و إتفق المؤتمرون بأن القيادة الجديدة  تستمر في تنفيذ إتفاق السلام المنشط الموقع عام 2018 و تواصل الحوار مع الموقعين على الإتفاقية والإستمرار في التواصل مع رئيس الجمهورية لإيجاد الحلول للقضايا العالقة), و عن نهاية الأزمة يرى أنها: (ستنتهي بالسلام و الإستقرار و الذهاب إلى إنتخابات حرة و نزيهة ) على حد قوله .

و مع ذلك هناك مخاوف و ترقب لدى الشارع السياسي و المواطنين من عودة البلاد إلى الحرب مرة أخرى وتدهور في الأوضاع الاقتصادية و الأمنية كما يقول

الصحفي إيمانوئيل تومبي  :( في الحقيقة هناك مخاوف شديدة ،و هذه حالة الشارع ، و أخشى ما نخشاه أن هذه الحالة يمكن أن تتطور إلى تدهور رهيب في الوضع الإقتصادي، و الأمني و الإجتماعي ، و  تأثير  ذلك ظهر  على سفارات الدولة الممثلة في جنوب السودان ، و هي دول  راعية لعملية السلام في دولة جنوب السودان ، الآن هي تفكر في خفض المستوى تمثيلها الدبلوماسي في البلاد على سبيل المثال دول التريكا ، أمريكا ، و النرويج ، و  المملكة المتحدة ) ، بالاضافة إلى هولندا ،  و ألمانيا .

السيد جوزيف مليك رئيس حزب يوساب  و نائب وزير العدل في الحكومة الإنتقالية ، يدعو كل الأطراف إلى الجلوس في طاولة المفاوضات و الشروع في الحوار المباشر و يرى أن ( التعقيدات الأخيرة و إنحراف كبار الشريكين كان أمراً معقداً جداً ، و كان لا بد أن يكون هناك خطوات من أجل الحوار، و نحن كحزب يوساب نرى أن وجود حوار بين أطراف الإتفاقية مهم جداً ، لأن الإتفاق هو الأمل الوحيد لجنوب السودان ، لا بد من حوار بين الشريكين و أيضاً الأحزاب الموقعة لإتفاق السلام ، و أن يكون الحوار هو المخرج الوحيد للوضع الحالي ) .

 و يضيف القيادي بالحزب الإشتراكي التقدمي المهندس فاسكولا برنابا عن موقفهم كحزب بأن الحزب منذ بداية  الأحداث أصدر بياناً فيما يتعلق بالأحداث التي حدثت و كان يطالب :(بعدم عودة البلاد إلى الحرب ، و أن على كل الأطراف الرئيسية في الإتفاق أن يحتكموا إلى صوت العقل و الحوار ، و نحن في الحزب الإشتراكي التقدمي مع الحوار ، و نرفض أي عمل مسلح في الفترة المقبلة ، لأننا بحاجة للإستقرار و عمل ديمقراطي يمكن أن يقودنا إلى إنتخابات ، و التي تنتظرها كل الشعب ،  ليختار قيادته في عام 2026 .) 

و يتفق كل الشركاء في العملية السلمية على حل الخلافات العالقة عن طريق الحوار لإنقاذ ما تبقى من تنفيذ بنود إتفاق السلام ،و منع كل جنوح  نحو إنزلاق البلاد إلى حروب ومعاناة جديدة ، على الرغم من الغموض الذي يعتري مستقبل الإتفاق بعد الخطوات الأخيرة و إستمرار إحتجاز زعيم المعارضة و بعض قياداتها دون تقديهم إلى القضاء ، ما يعني أن الفترة المقبلة حُبلى بالكثير من القرارات و التغيرات  المفصلية في مستقبل الإتفاق المتعثر منذ توقيعه .