الظهور الدوري لطفرات متعاقبة من فيروس الكورونا Sars-CoV-2 يُضعضع ديمومة المناعة الجماعية المُكتسبة بفضل لقاحات الكورونا الحالية. لعلّ أبرز تأكيد على ذلك هو التجربة البسيطة التي قام بها Rino Rappuoli، الدكتور الإيطالي في علم البيولوجيا ومدير قسم اللقاحات في مختبر GSK.
ذاع صيت هذه التجربة ما حول العالم بعدما استطاع Rappuoli إثبات أنّ الأجسام المضادة الناشئة بعد التقاط الإنسان لفيروس الكورونا لا تقي بالضرورة من عمليّة تحوّر الفيروس داخل الجسم.
تفصيلا لتجربة Rino Rappuoli، سحَبَ الأخيرُ مصلاً غنيّاً بالأجسام المضادة من دمّ إنسان كان سبق أن التقط فيروس الكورونا وتعافى. أضاف Rappuoli إلى هذا المصل السلالة البدائية الأولى من فيروس Sars-CoV-2.
بعد مرور 80 يوما على حقن السلالة الأمّ في المصل، تحوّلت هذه السلالة، بفعل الانتقاء الطبيعي natural selection، إلى فيروس متحوّر جديد لم تستطع الأجسام المضادة المتواجدة أساسا في المصل أن تمنع نشوءه. في آلية مماثلة للتجارب المخبرية التي قام بها Rappuoli، حصل نفس الشيء في البرازيل في مدينة Manaus. يقطن في هذه المدينة مليوني إنسان.
خلال الموجة الوبائية الأولى، التقط فيروس الكورونا 76% من سكّان Manaus الذين سرعان ما عادوا وأصيبوا، بعد بضعة أشهر على مضي الموجة الأولى، بنسخة متحوّرة جديدة توسّع نطاق عدواها لتصل إلى نسبة سكّانية فاقت النسبة الأولى من الملتقطين الأوائل. حتى ولو أنّ فرضية حيازة هؤلاء السكان على لقاح يحمل بروتين الشوكة Spike نجحت في أوانها، لما كان استطاع اللقاح أن يحميهم بطبيعة الحال من موجة العدوى الثانية.
رغم أن أعداد الوفيات لا تزال مرتفعة في البرازيل وانتشرت فيها النسخة البرازيلية المتحوّرة الأكثر فتكا من الفيروس الأصلي، أعادت ريو دي جانيرو فتح الحانات والمطاعم مطلع نيسان/أبريل وقرّرت فتح الشواطئ بدءا من البارحة.
في المجمل، أودى الوباء بحياة أكثر من 373 ألف شخص خلال أكثر من عام ونيف في البرازيل التي تعدّ 212 مليون نسمة، فيما يعتبر الخبراء أن الأرقام الفعلية أعلى بكثير.
في مؤشّر على انتصار "أوّلي" على فيروس كورونا في إسرائيل بعدما تلقّى قرابة 5 ملايين شخص (53% من السكان) جرعتين من اللقاح، بات يُسمح للسكان اعتباراً من الأحد الفائت بعدم وضع كمامات في الشارع وبالتقبيل وبالسهر كالسابق. لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حذر بأنّه "لم ننتهِ بعد من فيروس الكورونا، لأنه يمكن أن يعود".
هذا وكانت أبدت دراسة أشرف عليها الجيش الإسرائيلي خشيتها من أن يُساهم التطعيم الجماهيري الواسع في التسبّب "بالضغط التطوّري evolutionary pressure" الذي يدفع بفيروس الكورونا إلى التجدّد الدائم من خلال الطفرات الجديدة ذات المقاومة العالية للقاحات الحالية المتوفّرة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، سمحت السلطات لجميع السكان اعتباراً من يوم أمس بتلقي اللقاح المضاد لفيروس الكورونا، بعد أن تطعّم أكثر من نصف البالغين في البلاد. وتتواصل حملة التطعيم في الولايات المتحدة بسرعة كبيرة رغم تعليق استخدام لقاح J&J الثلاثاء الماضي، إثر اكتشاف ست حالات لنساء أُصبنَ بجلطات دموية خطيرة إحداهنّ توفيت.
وتمكن حوالى 50,4% من الأميركيين الذين تتجاوز أعمارهم الـ18 عاماً من تلقي جرعة واحدة من لقاح على الأقل، و32,5% تلقوا الجرعتين خصوصاً الكبار في السن الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عاماً، وفق ما أعلنت الأحد الماضي الوكالة الفدرالية للصحة العامة في البلاد.
في المجمل، أُعطيت جرعة واحدة على الأقل لأكثر من 131,2 مليون شخص. ولن يؤثر تعليق استخدام لقاح J&J على وتيرة الحملة إذ إنه لا يمثل سوى جزء صغير من اللقاحات المستخدمة.
لا يزال الوضع أكثر هشاشةً في أوروبا، حتى لو أن بعض الدول التي تتعرض لضغط كبير بسبب غضب الرأي العام حيال التدابير المفروضة، تستعدّ لتخفيف جزء من القيود الصحية.
وسيجري ذلك هذا الأسبوع بدرجات متفاوتة في سويسرا وبلجيكا وسلوفينيا وسلوفاكيا وموناكو والبرتغال والدنمارك.
وتعتزم هولندا وفرنسا من جهتهما، إعادة فتح الباحات الخارجية للمقاهي في وقت لاحق، في نهاية نيسان/أبريل ومنتصف أيار/مايو على التوالي.
إلا أنّ في ألمانيا، حيث أُقيم تكريم وطني الأحد الفائت لضحايا كوفيد-19 البالغ عددهم 80 ألفاً في هذا البلد، فإن الاستجابة للأزمة تثير توتراً سياسياً شديداً.
وتنتهج المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خطاً صارماً، ما يثير غضب رؤساء المناطق بمن فيهم أولئك المنتمون إلى حزبها. وحذّرت من أن "الفيروس لا يسامح أنصاف التدابير، فهي لا تفعل سوى مفاقمته".
لحدّ اليوم، أودت جائحة الكورونا بحياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم (3,011,975 وفاة). فبعدما كانت البرازيل تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميريكة على صعيد أعلى نسبة وفيات في العالم، أخذت المرتبة الثانية الهند التي تتخبّط بأزمة صحّية كارثية بسبب اكتظاظ المستشفيات بالمرضى الذين يضطرون إلى تقاسم الأسرّة مع آخرين جنبا إلى جنب.
للخروج من الأزمة الصحّية ومن مخاطر التحوّرات الدائمة لفيروس الكورونا المقاومة للقاحات، يرى الخبراء أنّ هناك 3 حلول بديلة وقابلة للتنفيذ :
1- استعمال لقاحات تحصِّن ضدّ كافّة أجزاء الفيروس لأنّها تحتوي على فيروس كامل غير نشط يساعد جهاز المناعة على تكوين آليات دفاعية تجاه التركيبة الكاملة للفيروس وليس تجاه بروتين الشوكة فحسب. هذه الأنواع من اللقاحات هي ذات تكلفة خجولة وآمنة وقامت بتطويرها الصين على غرار لقاح CoronaVac من تصنيع الشركة الصينية SinoVac ولقاح Coronav من تصنيع الشركة الصينية Sinopharm.
2- الإسراع في تطوير "اللقاح العالمي-الشامل" Universal coronavirus vaccine. تعمل حاليا عشرات المختبرات في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبلجيكا على هذا اللقاح العالمي الموحّد الذي قد يكون مُركَّبا وفق طرحين مختلفين : إما أن يكون مصنوعا من جزء ثابت لا يتحوّر من أجزاء فيروس الكورونا، إمّا أن يكون حاويا على معظم البروتينات التي يضمّها الفيروس (يكون عددها العام 25 بروتينا).
3- استعمال بعض الأدوية، التي حينما تؤخذ فورا عند بداية الإصابة بالعدوى، تدمّر الفيروس في غضون أيّام قليلة. تتوفّر عدّة أدوية تلعب هذا الدور العلاجي الفعّال.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاتّكال على تكرار حملات التطعيم السنوية أو كلّ سنتين لن تقدّم حلّاً كافياً للتصدّي الفعّال ضدّ للسلالات المتحوّرة من فيروس الكورونا التي ستصبح قريبا مهيمنة.
نسعى في حصّة اليوم من "صحّتكم تهمنا" الإجابة على السؤالين التاليين : هل السلالة البرازيلية هي التي تجعلنا نخشى مغبّة التقاط فيروس الكورونا حتّى ولو كنّا حصلنا على جرعتين من اللقاحات الواقية منه ؟ وكم تدوم بالزمن المناعة المُكتسبة بعد حيازتنا على اللقاحات ؟ هل ستّة أشهر أو سنة ؟
أجاب على هذه الأسئلة الدكتور محمد حسن الطراونة، الاختصاصي في الأمراض التنفّسية والعناية الحثيثة وأمراض النوم في عمّان، الأردن.