تحرّش، تصوير، ونشر… كلمات باتت تتكرّر بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر، مع انتشار وسم #صوريه_واشكي، الذي أطلقته نساء لمواجهة التحرش في الفضاء العام. بين من يراه شكلًا من أشكال المقاومة الرقمية وردعًا للمتحرشين، ومن يعتبره خرقًا للخصوصية وخروجًا عن القانون، تتباين المواقف.
في مشاهد مأخوذة من فيديوهات حقيقية، توثّق جزائريات لحظات التحرش التي يتعرضن لها في الشارع، وتشاركنها على تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام، مرفقة بالوسم #صوريه_واشكي…لكن لماذا تلجأ النساء إلى الفضاء الرقمي؟ هل هو تعبير عن اليأس؟ أم شكل جديد من المقاومة؟
شايعة جعفري، رئيسة مرصد المرأة ومختصة في علم الاجتماع، ترى في الظاهرة انعكاسًا لمجتمع لم يعد يصغي لضحاياه:
واقعة التحرش يصعب إثباتها، لذلك جاءت هذه الحملة كخطوة جماعية من النساء لردع هذه السلوكيات التي تسبب لهن مضايقات في الشارع وفي الأسواق. هي شكل من أشكال المقاومة، علينا أن نرفع الوعي العام وندين هذا السلوك، وألا نصمت عنه. أعتقد أن هذه الحملات قد تساهم فعلًا في التقليل من هذه التصرفات غير السوية
لكن، ما هو موقف القانون من التصوير والنشر؟ هل يُعتبر استخدام الهاتف لتوثيق فعل تحرش سلوكًا مشروعًا؟ أم أن المرأة قد تُعرض نفسها بدورها للمساءلة القانونية؟
المحامي حسان براهيمي يُفكك الإشكال القانوني المرتبط بهذه الحالات المعقّدة:
عندما تحمل الضحية هاتفها النقال وتستخدمه كوسيلة لردع المتحرش، فإن مجرد توجيه الكاميرا نحو المعتدي قد يدفعه للتراجع عن فعلته. في هذا السياق، لا يمنع القانون ذلك
لكن، عندما يتعدى الأمر التوثيق إلى نشر الفيديو على المنصات الرقمية، بهدف التشهير أو تحريك الرأي العام ضد شخص معيّن، نكون أمام مخالفة قانونية، وقد تنتقل الضحية من خانة المجني عليها إلى المتهمة
أنصح كل فتاة تتعرض للتحرش أن تلجأ مباشرة إلى القضاء، وأن تقدم شكوى لدى وكيل الجمهورية، خاصة وأن القانون الجزائري يجرّم التحرش المعنوي، بما في ذلك الألفاظ الفاحشة في الأماكن العامة
من جهة أخرى، فإن تجربة التعرض للتحرش لا تمرّ دون أثر نفسي. فبين التحرش والتصوير والتنمر الرقمي، تجد المرأة نفسها وسط دائرة عنف متعددة المستويات.
النفسانية ليندا صحراوي تسلط الضوء على الجانب النفسي لهذه الظاهرة:
التحرش في الأماكن العامة لم يعد مجرد سلوك مزعج بالنسبة للمرأة، بل تحوّل إلى تجربة صادمة تمس كرامتها وشعورها بالأمان. هذا قد يؤدي إلى فقدان الثقة بالآخرين، أو حتى إلى العزلة الاجتماعية وتراجع تقدير الذات، خاصة إذا لم تجد الضحية الدعم أو التصديق من محيطها.
حين تلجأ النساء إلى توثيق وقائع التحرش، يمكن فهم ذلك كرد فعل على الضغط النفسي الذي يتعرضن له. قد يُعد هذا السلوك شكلاً من أشكال المقاومة، لكنه لا يخلو من مخاطر مثل التنمر الإلكتروني أو محاولة تشويه سمعة الآخر
بالمقابل، فإن تجاهل هذه الظاهرة ليس حلًا، بل العكس تمامًا: لا بد أن يتصرف الإنسان وأن يكون جزءًا من التغيير
وفي الشارع الجزائري، تتباين آراء المواطنين بين من يدعم هذا النوع من الرد الرقمي، ومن يخشى عواقبه القانونية والاجتماعية:
أنا أعتقد أن التصوير وسيلة فعالة لردع المتحرشين. عندما يرون أنفسهم مفضوحين على الإنترنت، سيخافون. من لا يريد أن يُفضح، عليه ألا يتحرش
أنا لا أقبل التحرش بأي شكل، لكن لا أعتقد أن التصوير والنشر هو الحل. ربما تُخطئ الفتاة في التقدير، وتُصوّر شخصًا بريئًا، وتُدمر حياته. القانون موجود، ويجب أن نلجأ إليه بدلًا من التشهير
أنا شخصيًا أتأثر كثيرًا عندما يتحرش بي أحد في الشارع، حتى لو بالكلام فقط. تصوير الموقف هو السبيل الوحيد لنقول لا
التحرش واقع، والتصوير ردّ فعل… لكن بين الحقّ والخرق، وبين القانون والرغبة في الحماية، تبقى المعادلة معقدة بين حفظ خصوصية الأشخاص أو الانصات لهذه الصرخة الرقمية.