ستة عقود مضت على أول تفجير نووي فرنسي في الصحراء الجزائرية… تفجيرٌ لم يكن عاديًا، فقد بلغت قوّته ستين كيلوطنًّا، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما. هذا التفجير، المعروف باسم “اليربوع الأزرق”، كان البداية لسلسلة تجارب نووية أعلنت فرنسا أنها بلغت 17 تجربة رسمية. لكنها لم تكن وحدها…
تقارير غير رسمية، وأبحاث مستقلة، تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 50 تجربة، بما في ذلك اختبارات باردة ونقل مواد مشعة وتجارب لم يُعلن عنها يقول الباحث في التاريخ بلعروسي عبد الفتاح .. و النتيجة؟ إشعاعٌ ما يزال حاضرًا… في الأرض، و الرمال وفي أجساد الناس.
كان الانفجار قويًا، خاطفًا، وترك سحابة غريبة في السماء…
بعد عقود، لا تزال تلك اللحظة محفورة في ذاكرة من عاشوها، يتحدثون عنها اليوم، لا بصفتها حادثة عابرة، بل كنقطة تحوّل في حياتهم
الأرض اهتزّت، وأهالي سيدي سَمّ، وحتى من جهة بشار، رأوا نورًا أزرق في السماء
في ذلك اليوم، عندما استيقظنا، وصلتنا رياح شديدة، كانت أشبه بعاصفة كبيرة، يُسمع صوتها كأنّه ضاغط هواء
في تلك الأيام، عندما وقعت التفجيرات، كنا نضع البصل في أنوفنا حتى لا تضرّنا السموم كثيرا
أثر الإشعاع لا يمحوه الزمن. هذه التجربة، كانت بداية لسلسلة من التفجيرات النووية في الأراضي الجزائرية، خلفت وراءها تلوثًا إشعاعيًا وآثارًا صحية لا تزال حاضرة في حياة الناس حتى اليوم.
أخي، مثل باقي أبناء العاملين في مجال التجارب النووية، أُصيب بمرض، وأغلب الأطباء قالوا إن سببه تلك التجارب.
هذا هو الإرث الذي تركته لنا فرنسا حين وُلد ابني، أخبرني الطبيب أن ساقه ستتضخم تدريجيًا مع مرور السنوات
اليوم، كم من شخص يستخدم عكازًا؟ وكم من آخر فقد بصره؟ وكم من مريض ؟ هذه الأمراض لم نكن نعرفها من قبل
في محيط مواقع التفجيرات، تتكرر حالات السرطان، والتشوهات الخلقية، والعقم، والامراض الجلدية. رغم غياب دراسات رسمية دقيقة، يؤكّد الأطباء وجود علاقة مباشرة بين الإشعاع وهذه الأمراض.
الدكتور مصطفى أوسيدهم، طبيب عام في المنطقة، يقول:
رأينا في رقان جميع أنواع السرطانات تقريبًا، لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو أمراض الغدة الدرقية، التي تُعدّ من أكثر الأعضاء تأثرًا بالإشعاع
فرنسا، وبعد سنوات طويلة، اعترفت جزئيًا بآثار تجاربها النووية. لكنها ما تزال ترفض تسليم الخرائط الدقيقة لمواقع دفن النفايات المشعة. بينما يطالب السكان بأكثر من الاعتراف… يطالبون بالحقيقة، بالتعويض، وتنظيف المخلفات النووية.
سيد أعمر الهامل، أحد أبناء المنطقة يقول:
جريمة التجارب النووية هي جريمة مستمرة في آثارها، فقد أكد مختصون أن الإشعاع يبقى في الأرض لأكثر من 24 ألف سنة.
وإذا كان الفرنسيون اليوم يريدون التكفير عمّا اقترفه أسلافهم، فعليهم الاعتراف بهذه الجريمة، وتطهير المنطقة، وتعويض المتضررين.
ملفّ التجارب النووية الفرنسية في الجزائر لا يزال مفتوحًا…ليس فقط في أروقة السياسة، بل في المستشفيات، وفي البيوت، وفي ذاكرة الصحراء.
في رڤان، بين حبات الرمل، يعلو صوت الناس:
لسنا ضحايا التاريخ فقط… نحن ناجون، ونُطالب بالحق.