في السنوات الأخيرة، شهدت أوكرانيا ظهورًا ملحوظًا للمقاهي والمخابز التي تعتمد على أشخاص ذوي احتياجات خاصة وإعاقات ذهنية. هذه الأماكن ليست مجرد مراكز لتقديم الخدمات الغذائية، بل أصبحت نقاط اجتماعية مهمة ومحفزة اقتصادية للمجتمع المحلي. بفضل هذه المبادرات، تمكن الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة من الحصول على فرص عمل ذات معنى وتحسين فرصهم في التواصل الاجتماعي.
تمثل هذه المقاهي والمخابز نموذجًا مشرفًا للتكامل الاجتماعي والاقتصادي في أوكرانيا، حيث تلقت استحسانًا وترحيبًا واسعين من قبل المواطنين الأوكرانيين.
من قلب حي بوديل التاريخي في كييف، يفتح مخبز «خبز طيّب من أناس طيّبين» أبوابه منذ ساعات الفجر الأولى.
هنا، يعجن أكثر من سبعين شابًا وشابة من ذوي الإعاقات الذهنية خمائر أحلامهم قبل أن تُصبح أرغفةً تُطعِم الجنود والنازحين معًا.
مؤسس المخبز فلاديسلاف مالاشينكو يصف مهمته بأنها محاولة لتغيير نظرة المجتمع.
تمكنتُ من إنشاء مكان يكون فيه عملٌ لكل شخص، وفرصةٌ لكل فرد ليكون مشغولًا ومثمرًا. وللأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية تحديدا. هذا أمرٌ مهم جدًا، لأن هؤلاء الأشخاص في بلادنا، للأسف، ما زالوا مُهمَّشين. لا يمكنهم العثور على عمل، ولا يستطيعون تكوين أسرة، ولا يُنظر إليهم كأعضاء كاملين في مجتمعنا. في عام 2017، عندما افتتحنا المخبز، كان لدينا منتج واحد فقط، وهو كعكة الموز، وموظفان من ذوي الإعاقات الذهنية. هؤلاء الأشخاص جاؤوا من مراكز التأهيل، وكانوا بالغين، بل إن أحدهم كانت هذه أول وظيفة في حياته. ومن كعكة واحدة، توسعنا حتى عشية الغزو الروسي واسع النطاق، ليصبح لدينا 44 منتجًا مختلفًا، منها الكرواسان والخبز والعديد من الكعكات وحتى المثلجات
على بُعد عشرة كيلومترات، وفي إحدى زوايا مركز «مترو» التجاري، يلمع شعار أصفر كُتب عليه “Pizza, Smiles & Friends”.
إنه «Sunshine Café» حيث يصنع شباب من متلازمة داون 14 نوعًا من البيتزا. تسمع صوت “ناستيا” وهي تعلن جاهزية الطلبات بكل بفخر — صوتٌ لم يكن يُسمع خارج جدران بيتها قبل عام.
تقول المؤسسة أولينا جيفاهو إن أقل من عشرة شبان بمتلازمة داون كانوا يعملون رسميًّا في كييف قبل الحرب. اليوم، يحضر الأهالي خصّيصًا ليُري أبناؤهم أن العمل ممكن.
هدفنا هو أن يحصل كل شخص من ذوي الإعاقة على فرصة للعمل في شركة عادية، أن يأتوا إلى عملهم يوميًا، أن يتواصلوا مع الناس، أن يتعرفوا على أصدقاء جدد، وأن يعيشوا حياة كاملة وطبيعية مثل أي شخص آخر
الحرب لم تكسر عزيمة فيودر سامبورسكي، الجندي الذي فقد طرفين وإحدى عينيه. بعد تسعة أشهر من العلاج، حوّل إعاقته إلى حافز، فأسس مقهى يُشغّل قدامى المحاربين المصابين ليكونو جزءا فاعلا من المجتمع.
فيودر سامبورسكي جندي أوكراني مصاب بإعاقة:
هذه القصة في الأساس تهدف إلى تعزيز الوعي داخل المجتمع، وإظهار أن هناك فعلًا إمكانية للتضمين والاندماج الاجتماعي في مجتمعنا، وأن مثل هذه المبادرات ضرورية ويجب دعمها. إلى جانب ذلك، فهي تساعد على إعادة دمج هؤلاء الشباب في المجتمع، وإعطائهم فرصة ليكونوا جزءًا فاعلًا منه. إنها، في الحقيقة، مثال حيّ يثبت أنه حتى إذا كنت تفتقر – مجازًا – إلى “اليدين” أو الإمكانيات التقليدية، يمكنك أن تحقق شيئًا، يمكنك أن تبدأ مشروعك الخاص، وستجد من يدعمك بنسبة مئة بالمئة
ما بين رائحة الخبز ونكهة القهوة، يكتب هؤلاء سيرة عطرة عن شمول اقتصادي حقيقي. مبادرات صغيرة بحجم مقهى… لكنها تُغيّر مقاييس كبيرة؛ مقاييس النظرة إلى العمل، وإلى الإعاقة، وإلى المجتمع نفسه.