يمثّل دور "شربت الصبر من بعد التصافي" واحدا من أشهر أعمال مطرب القرن التاسع عشر في مصر، عبده الحامولي، لارتباطها بحدث درامي عاشه وتعاطف معه فيه جمهوره الواسع من العامة والأعيان.
يخلّد دور "شربت الصبر من بعد التصافي" واحدة من أجمل قصص الحب التي عرفتها الموسيقى المصرية. جمعت القصة بين فنانين من أبرز أصوات زمانهما هما عبده الحامولي وألمظ اللذان برزا في القرن التاسع عشر خاصة في فترة حكم الخديوي إسماعيل.
بدأت علاقتهما بمنافسة فنية شرسة إذ كان الصراع على اعتلاء القمة بلا منافس، لكن سرعان ما تغيّرت الأمور بعد أن جمعهما حفل مشترك. عندما رأى عبده الحامولي ألمظ واستمع لصوتها سُحر بها ومن حينها تحوّل التنافس إلى طلب للوصل منه ولعبة تمنُّع منها وهي التي غنّت متوجّهة إليه:
ياللي تحب الوصال وتحسبه أمر ساهل
ده شيء صعب المنال وبعيد عن كل جاهل
فيُجيبها مُغنّيا:
روحي وروحك حبايب من قبل ده العالم
والله وأهل المودّة قرايب والقلب مش سالم
كان المطربان يتبادلان الرسائل غناء وكان الجمهور متابعا مستمتعا وأصبح حبهما حديث العامة والأعيان وتزوجا وعاشا في سعادة وانسجام، لكن للأسف لم يدم ذلك طويلا إذ خطفت المنية ألمظ ولم تكن قد تجاوزت 36 سنة من عمرها، وقصمت الضربة ظهر عبده الحامولي وبكاها طويلا وكان دور "شربت الصبر من بعد التصافي" أكبر معبّر عن ألمه بفقدان حبيبته.
عاش عبده الحامولي مخلصا لذكرى حبيبته ألمظ وكان يبكيها في أغانيه بعد وفاتها وكان الجمهور ييبكي معه. عن المحرر أحمد يونس من رصيف 22 ذكر أن الأديب أحمد أمين عاصر قصة الحب هذه وذكر في كتابه "فيض الخواطر" أن الحامولي حزن كثيرا لموت ألمظ ومن أبرز ما غناه بعد رحيلها:
شربت الصبر من بعد التصافي
ومر العمر ما عرفتش أصافي
عداني النوم وأفكاري توافي
عدمت الوصل يا قلبي عليه
وهي الأغنية التي اشتهر بالبكاء فيها وبكاء الجمهور معه.
تناولت السينما والدراما هذه القصة فكان الفيلم في ستينيات القرن الماضي وحمل عنوان "ألمظ وعبده الحامولي" وقام ببطولته عادل مأمون في دور الحامولي ووردة في دور ألمظ، وأنتج التلفزيون المصري في السنوات الأخيرة مسلسل "بوابة الحلواني" الذي تناول هو الآخر هذه القصة وقام بدور البطولة فيه كل من علي الحجار وشيرين وجدي.
نستمع في الحلقة للدور يؤدّيه المطرب داوود حسني لأنه ليس متوفرا بصوت ملحنه ومؤدّيه عبده الحامولي ونختم الحلقة بأداء آخر لا يقلّ جمالا وعمقا وهو بصوت الرائع رياض السنباطي.