إذا نطقوا، تساقطتْ البلاغةُ من أفواههم...
العرب.. الكلمة التي تحملُ أكثر مما تَسَعُه اللغة، وأكثر مما تحتمله الجغرافيا.
ساميون، مهدهم الأول كان اليمن، أرضُ اللبان والبخور، وأرضُ سبأ وحمير ومعين، مزارعون في سهول مأرب وتجار في أسواق حضرموت ورواة في بلاط الحيرة وتدمر.
من هناك خرجت العرب العاربة، أبناء قحطان، وجعلوا من اليمن أمّ العرب، ومن لغتهم نبعًا لكل فصاحةٍ أتت بعدهم.
حين نزل إسماعيل عليه السلام في مكة، جاءته جرهم اليمنية، فآوته، وعلّمته العربية، تعلّمها عن حبّ، لا عن وراثة، وصار أول المستعربين، من نسله جاءت قريش، وجاء معها القرآن، فتوحّد اللسان، وسقطت كل الفواصل القديمة.
تداخل العرب مع الأراميين الساميين وأثروا وتأثروا بهم في مراحل التمدن اللاحقة حتى في خطوط كتابتهم.
يُحدثنا النسّابون الأوائل — من أمثال ابن هشام وابن الكلبي والطبري — فيما شاع في كتب الأنساب والسير، قيل: إن العرب ثلاثة أقسام:
1. العرب البائدة: وهم أممٌ سكنت الأرضَ قبل أن يُدوّن التاريخ أسماءهم. عاد، وثمود، وطسم، وجديس… اندثروا في جوف الرمال، ولم يبقَ منهم إلا ذكرى القصص.
2. العرب العاربة: وهم أبناءُ يعرب بن قحطان، سكانُ اليمن الأوائل، من أمثال حمير وكهلان، ويتفرع عنهم الأزد وطيء وهمدان. قيل إنهم وُلدوا عربًا، وتشرّبوا العربية كما يتشرّب النخيل ماءَ الوادي. قالوا الشعر قبل أن يخطّوه، وصاغوا الحكمة قبل أن تُروى.
3. العرب المستعربة: وهم نسلُ إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، الذي شبّ بين جرهم القحطانية في مكة، فتعلم لغتهم، وصاهرهم، فأنجبت ذريته قبائل مضر وعدنان، ومنها خرجت قريش، قبيلة النبي محمد عليه السلام.
هذا السرد في الفرق التاريخي بين “العاربة” والمستعربة” ليس ليفرّق بين الناس، وإنما ليكشف تنوع النبع الواحد. فالعرقُ العربي ما كان يومًا نقاء دم، بل كان نقاءَ لسانٍ وصدقَ انتماء.
فالعروبة حضراً وبدواً ليست نسبًا وليست جغرافيا فقط، بل ذاكرةٌ، وثقافة، وتاريخ عريق ممتد، وحاضر متشابك، ومتطور، ومتغير.
فيه من الفخر الذي نحتفي به وفيه من العار الذي نبرأ منه
هي نُطقُ امرئ القيس معلقته في الصحراء، الى فصاحة سيبويه، هي عبقرية ابن الهيثم وحكمة ابن خلدون وابن رشد وريادة فاطمة الفهرية ومجالس الشعر في الأندلس كما هي قصائد شوقي وطوقان وأحمد رامي وهي دمعة جدة فلسطينية في الشتات تشتاق رائحة بيارات والدها في يافا، وضحكة طفلٍ سوري في مخيمٍ اللجوء يتوق الى دمشق.
العروبة لا تروى بمقال قصير
هذا وقت نحتاج فيه أن نتذكر من نحن.