
Sign up to save your podcasts
Or
ثمّة كلمات لا تقبل الجدل، لأنها تأتي من لحم الحقيقة. وغرامشي، حين كتب عبارته الشهيرة: "لن يكون لك رأي، حتى يكون لك رغيفك الخاص"، لم يكن يُنظّر. كان يعرّي.
حقاً، كيف يُمكن أن يكون لك رأيٌ، إن لم يكن لديك خبز؟ كيف تُمسك بالقلم إذا كانت يدك مشغولة بمدّها إلى من يُطعِمك؟ في عالم يضطر فيه الضعيف الى الركوع على موائد الأقوياء، تتحوّل المواقف إلى مرايا مشروطة تعكس ما يُرضي المموّل، لا ما يُرضي الضمير. غرامشي لم يكن فقط يتكلّم عن الفقراء. كان يتكلّم عن المُعَلّقين من رقابهم بخيوط الحاجة، عن أولئك الذين يُجبرون على ابتلاع الإهانة… ثم القول: شكراً.
الرغيف ليس مجرّد لقمة. الرغيف هو خطّ الدفاع الأول عن الكرامة. في السياسة، كما في الإعلام، كما في الحب، من لا يملك خبزه، لا يملك حريته. ومن لا يملك حريته، لا يملك صوته. ومن لا يملك صوته، يصبح بوقاً لغيره، حتى لو ظنّ أنه يصرخ من قلبه. كلّ ما يقوله، مشروطٌ بما لا يستطيع خسارته. كلّ ما يصمت عنه، ملوّثٌ بالخوف من الجوع، أو الطرد، أو العزل، أو التجاهل. حين تتسلّل الحاجة، تصير الرقابة ذاتية، ويصير السكوت شكلاً من أشكال النجاة.
لكن المأساة لا تقف عند حدود الفرد. ما ينسحب على الإنسان الجائع، ينسحب على وطنٍ بأكمله. وطن يعيش على القروض والمساعدات لا يمكنه أن يكون حرًّا. فكما يُصادَر الرأي عند الفرد الذي لا يملك رغيفه، تُصادَر السيادة عند الدولة التي لا تملك اقتصادها. اليد التي تمنحك المال، هي نفسها التي تُملي عليك السياسات. تختار لك أصدقاءك، وأعداءك، ومواقفك.
الاستقلالية المادية ليست ترفاً. هي شرط أوليّ للكرامة الشخصية، وللهوية الوطنية. من لا يملك ثمن دوائه، يبتلع إهانته مع كل حبة. ومن لا يتحكّم بثرواته، يستجدي دوره على طاولة القرار. المال ليس غاية. لكنه ضمانة. هو ما يحمي صوتنا من التهديد. ما يحمي فكرنا من الابتزاز. هو ما يجعل الـ "لا" ممكنة، والصمت خياراً لا خوفاً.
غرامشي، في جملته الصاعقة، وضع إصبعه على الجرح الأكثر نزفًا: أن الكرامة لا تُمارس من موقع العوز، ولا تُنتج في ظلال الامتنان الإجباري. الاستقلالية المادية، فردية كانت أو وطنية، لا ينبغي أن تكون رفاهية الأثرياء فقط، بل حقّ كل إنسان في سبيل أن يبقى حرّاً.
ثمّة كلمات لا تقبل الجدل، لأنها تأتي من لحم الحقيقة. وغرامشي، حين كتب عبارته الشهيرة: "لن يكون لك رأي، حتى يكون لك رغيفك الخاص"، لم يكن يُنظّر. كان يعرّي.
حقاً، كيف يُمكن أن يكون لك رأيٌ، إن لم يكن لديك خبز؟ كيف تُمسك بالقلم إذا كانت يدك مشغولة بمدّها إلى من يُطعِمك؟ في عالم يضطر فيه الضعيف الى الركوع على موائد الأقوياء، تتحوّل المواقف إلى مرايا مشروطة تعكس ما يُرضي المموّل، لا ما يُرضي الضمير. غرامشي لم يكن فقط يتكلّم عن الفقراء. كان يتكلّم عن المُعَلّقين من رقابهم بخيوط الحاجة، عن أولئك الذين يُجبرون على ابتلاع الإهانة… ثم القول: شكراً.
الرغيف ليس مجرّد لقمة. الرغيف هو خطّ الدفاع الأول عن الكرامة. في السياسة، كما في الإعلام، كما في الحب، من لا يملك خبزه، لا يملك حريته. ومن لا يملك حريته، لا يملك صوته. ومن لا يملك صوته، يصبح بوقاً لغيره، حتى لو ظنّ أنه يصرخ من قلبه. كلّ ما يقوله، مشروطٌ بما لا يستطيع خسارته. كلّ ما يصمت عنه، ملوّثٌ بالخوف من الجوع، أو الطرد، أو العزل، أو التجاهل. حين تتسلّل الحاجة، تصير الرقابة ذاتية، ويصير السكوت شكلاً من أشكال النجاة.
لكن المأساة لا تقف عند حدود الفرد. ما ينسحب على الإنسان الجائع، ينسحب على وطنٍ بأكمله. وطن يعيش على القروض والمساعدات لا يمكنه أن يكون حرًّا. فكما يُصادَر الرأي عند الفرد الذي لا يملك رغيفه، تُصادَر السيادة عند الدولة التي لا تملك اقتصادها. اليد التي تمنحك المال، هي نفسها التي تُملي عليك السياسات. تختار لك أصدقاءك، وأعداءك، ومواقفك.
الاستقلالية المادية ليست ترفاً. هي شرط أوليّ للكرامة الشخصية، وللهوية الوطنية. من لا يملك ثمن دوائه، يبتلع إهانته مع كل حبة. ومن لا يتحكّم بثرواته، يستجدي دوره على طاولة القرار. المال ليس غاية. لكنه ضمانة. هو ما يحمي صوتنا من التهديد. ما يحمي فكرنا من الابتزاز. هو ما يجعل الـ "لا" ممكنة، والصمت خياراً لا خوفاً.
غرامشي، في جملته الصاعقة، وضع إصبعه على الجرح الأكثر نزفًا: أن الكرامة لا تُمارس من موقع العوز، ولا تُنتج في ظلال الامتنان الإجباري. الاستقلالية المادية، فردية كانت أو وطنية، لا ينبغي أن تكون رفاهية الأثرياء فقط، بل حقّ كل إنسان في سبيل أن يبقى حرّاً.
309 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
9 Listeners