من الصعب التنبؤ بدقّة عن التوقيت الزمني لإحقاق وتوسيع رقعة البشر الحاصلين على التحصين الجماعي (مناعة القطيع) في سبيل تضييق الخناق على فيروس الكورونا Sars-CoV-2 وربح المعركة عليه بالخروج من النفق المظلم. على الرغم من التقدّم البطيء بحملات التطعيم ضدّ مرض الكوفيد-19، اعتبر خبراء منظمّة الصحّة العالمية أنّ مناعة القطيع لن تتحقّق في عام 2021 مع أنّ اللقاحات بدأت تقي الفئات العمرية الحسّاسة وذات الوضع الصحّي الحرج.
للوصول للتحصين الجماعي إمّا عبر اللقاحات إما عبر ترك فيروس فتّاك أو قاتل ينتشر بين البشر بلا روادع وبلا إكتراث لمستويات الوفيات العالية، نحتاج إلى أن تصل عتبة الحاصلين على الأجسام المضادة إلى مستويات مئوية عالية ضمن شعوب العالم. هذه العتبة تناهز 70% كحدود وسطية للمناعة الجماعية التي تتبدّل من مرض لآخر. ففي مرض "الحصبة" المعدي الذي هو بالإنكليزية Measles وبالفرنسية Rougeole، تمّت المناعة الجماعية حينما وصلت عتبة سكّان العالم الحاصلين على اللقاحات إلى نسبة 95%. أمّا في مرض "شلل الأطفال" الذي هو بالإنكليزية Poliomyelitis تحقّقت المناعة الجماعية حينما وصلت عتبة سكّان العالم الحاصلين على اللقاحات الواقية منه إلى 80% تقريبا. في إطار جائحة الكوفيد-19، أشار الخبراء إلى أنّ مناعة القطيع قد نصل إليها حينما تصل عتبة الحاصلين على اللقاحات من شعوب سكان العالم إلى نسبة مئوية تتراوح بين 50 و 60%. لذا، ستظلّ حملات التطعيم مستمرة على أبعد تقدير إلى عام 2023.
هذا واقتضى التوضيح بأنّ لا شيء يضمن في الأفق البعيد أن تكون كفاءة المناعة الجماعية عالية في التصدّي الطويل لفيروس الكورونا الذي يتكيّف ويتبدّل وهو آخذ بالتطوّر من خلال الطفرات والسلالات المنبثقة من النسخة الأصلية. بالعودة إلى مؤتمر صحافي عقده Mike Ryant، المدير التنفيذي للبرامج الطارئة في منظمة الصحّة العالمية بتاريخ 13 أبريل/نيسان من عام 2020، جاء على لسانه بأنّ " الانسان عقب تلقّيه لقاح فيروس الكورونا أو عقب التقاطه العدوى الطبيعية، يكتسب أجساما مضادّة تحميه لفترة زمنية، إنَّما لا نستطيع تحديد عدد السنوات التي يظلّ خلالها محميّا بفضل هذه الأجسام المضادة، بما أنّنا نواجه فيروسا جديدا لا نعرف عنه كلّ شيء إلى حدّ اليوم. دون أن ننسى هنا أن قلّة قليلة من البشر الذين تأكّدوا من التقاطهم للفيروس عبر نتائج فحوصاتهم الإيجابية بشأن حملهم الفيروسي، طوَّرت مناعتهم أجساما مضادّة تحميهم على المدى الطويل.
في سبيل تحقيق أهداف "مناعة القطيع" ووقف الارتباك العالمي الحاصل جرّاء الأزمة الصحيّة، تزداد الحاجة إلى تضافر جهود الحكومات في سباق حملات التطعيم واسعة النطاق. بموازاة هذا الأمر، تزداد الحاجة إلى تعزيز الثقة بمأمونيّة اللقاحات وتسريع عجلة الإنتاج لحلّ مشكلة نقصها من السوق.
تعزيزا للثقة الضعيفة بلقاح AstraZeneca، حذت الوكالة الأوروبية للأدوية البارحة حذو منظمة الصحة العالمية التي سبق وأن أوصت الأربعاء بمواصلة استخدام لقاح شركة AstraZeneca. علماً أن مديرة الوكالة الأوروبية للأدوية ايمر كوك أكدت أنها ما زالت "مقتنعة تماماً" بأن منافع لقاح أسترازينيكا تفوق مخاطره. جاء هذا الكلام على خلفيّة أنّ لقاح AstraZeneca يتسبّب في بعض الحالات النادرة جدا بحوادث خثرات دموية.
يخوض عدد كبير من الدول سباقا حقيقيا مع الزمن لمحاربة الفيروس من بينها فرنسا التي تواجه ارتفاعاً في عدد الإصابات في باريس ومنطقتها.
وللمساعدة على إعادة الثقة بلقاح أسترازينيكا الذي بحسب استطلاع للرأي لا يعتبره موثوقاً إلا 22 في المئة من الفرنسيين، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس إنه مستعدّ لأن يتلقاه ما إن تتمّ إعادة استخدامه.
فيما أقامت البارحة إيطاليا مراسم تكريم لأكثر من 103 آلاف شخص توفوا جرّاء فيروس كورونا في بيرغامو (شمال البلاد)، بلغت حصيلة الوفيات في البرازيل 284,775 وفاة في هذا البلد الذي يعدّ 212 مليون نسمة، ما يجعله ثاني أكثر الدول تضرّراً من جائحة الكورونا بعد الولايات المتحدة الأميركية.
أمّا في الأردن فتخطّت حصيلة الإصابات بفيروس الكورونا يوم الأربعاء الفائت نصف مليون اصابة، حسبما أعلنت وزارة الصحة الاردنية. وأفادت الوزارة عن تسجيل 9535 إصابة جديدة الاربعاء الفائت ما يرفع إجمالي عدد الاصابات إلى 504915 ، أي نحو 5 بالمئة من عدد السكان البالغ قرابة 10 ملايين نسمة. علما أنّ الأردن سجلّ 56 حالة وفاة يوم الأربعاء الفائت ليرتفع إجمالي عدد الوفيات جراء وباء الكوفيد-19 في هذا البلد الى 5553 وفاة. وكان أشار وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين الأربعاء إلى أنّ "الوضع الوبائي مقلق، وقدرة النظام الصحي للتعامل مع أعداد الإصابات الكبيرة أصبحت على المحك".
من جهة العراق، سجّل هذا البلد الأربعاء 5663 إصابة جديدة بفيروس الكورونا، وهو عدد إصابات قياسي منذ بدء تفشي مرض الكوفيد-19 في البلاد، بعد أسبوعين مضت على زيارة البابا التاريخية ولقائه عدداً محدوداً من الحشود، وسط تراخ في الالتزام بوضع الكمامات.
على الصعيد العالمي، تسبّبت جائحة انتشار فيروس الكورونا في شتّى الدول بوفاة 2,671,720 شخصا في العالم، منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019. حصلنا على هذه الحصيلة بناءً على تعداد أجرته وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر رسميّة الأربعاء الماضي.
وفيما يعود الإسرائيليون مجدّدا إلى طبيعة الحياة كما كانت ما قبل بداية الجائحة بفضل إنتهاء حملة التطعيم الوطنية في إسرائيل، تلقّت السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة الاربعاء الفائت دفعة أولى من لقاحات كوفيد-19، وفق آلية كوفاكس المُخصّصة لتوزيع اللقاحات على المناطق المحرومة والبلدان الفقيرة، بإشراف عام من قبل منظّمة الصحّة العالمية. وبالاستناد إلى مصدر أمني إسرائيلي "وصلت حوالي 60 ألف جرعة من لقاحي فايزر وأسترازينيكا مخصّصة للفلسطينيين في إطار برنامج كوفاكس إلى مطار بن غوريون في تل أبيب صباح الأربعاء الماضي".
لن تتحقّق أهداف " مناعة القطيع" أو الحصانة الجماعية اللازمة لوقف انتشار الجائحة ما لم تصل حملات التطعيم العالمية إلى الصغار في السنّ. لذا، بدأت شركة موديرنا الأميركية تجارب لقاح ضد كوفيد-19 على آلاف الأطفال من الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و11 عاما. وتخطط شركة التكنولوجيا الحيوية هذه إلى استقطاب 6750 طفلاً ورضيعًا للمشاركة في تجاربها السريرية في الولايات المتحدة وكندا.
وفيما تواجه البلدان نقصا كبيرا في جرعات اللقاحات الحاصلة عليها من قبل شركات التصنيع، هدّدت أوروبا عبر المفوضية الأوروبية الأربعاء بتشديد شروط تصدير اللقاحات المضادة للكورونا المنتجة داخل الاتحاد الأوروبي إلى خارج التكتّل وذلك لضمان "المعاملة بالمثل" مع الدول التي تنتج لقاحات. ودعت المفوضيّة الأوروبية على وجه الخصوص المملكة المتحدة إلى تصدير جرعات باتجاه القارة الأوروبية.
علما أن الولايات المتحدة الأميركية تحتفظ باحتياطي من لقاحات الكورونا وضعته جانبا ولَم تقبل أن تقدّمه للبلدان الأوروبية لتسريع برامج حملات التطعيم الواسعة، ما يدلّ على أنّ "الاحتكار يُطبَّق على لقاحات الكورونا". ولطالما الإدارة الأميركية فكّرّت بنفسها أوّلا بأول، عملا بمبدئها الأناني ألا وهو" America First".
ضيف الحلقة البروفسور جورج نمر، أستاذ محاضر في كليّة العلوم الصحيّة والحيوية في جامعة حمد بن خليفة في قطر.