يئن السودان ويتألم وتدمر مدنه وشرايينه الحيوية وينزح سكانه في حرب تخطت الخمسمائة يوم، ونتج عنها أحد «أسوأ الأزمات الإنسانية» في العالم.
حرب منسية لا يتم ذكرها إلا بالنذر اليسير بالقياس لحربي غزة واوكرانيا، مع ان حصيلتها تناهز مائة وخمسين الف قتيل، مع اجبار عشرة ملايين من السكان على النزوح الداخلي او الخارجي.
حرب لا يبدو لنهايتها أي أفق، وسط إصرار من قوات الجيش و«الدعم السريع» على خوض المواجهة إلى نهايتها، حتى لو استمرت «مائة سنة» على حد قول الرئيس- الجنرال عبد الفتاح البرهان.
آخر المحاولات لوقف النزيف كانت بوساطة الولايات المتحدة و برعاية الأمم المتحدة، في جنيف مع محادثات في شأن وقف إطلاق النار ، في آب/ اغسطس ، وقد انتهت المفاوضات غير المباشرة، بالتزامات «أحادية» من أحد طرفي التفاوض، بتعزيز إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين،
وتؤكد النتيجة الجزئية لمفاوضات جنيف، استمرار المأزق واصرار الفريقين على الحسم المستحيل ، وتورط دول اقليمية وخارجية في الصراع حول موقع السودان الجيوسياسي وموارده.
يظهر بوضوح ان الامم المتحدة عاجزة ، وان تفاقم الصراعات في العالم يعطل الحلول ، والغريب ان أوروبا “غير مهتمة" كما يتوجب لان العنف المستشري ربما يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة ويدفع بموجات من اللاجئين إلى أوروبا. ومن المخاطر الأخرى بالنسبة للاقتصاد العالمي، امتلاك السودان
ساحلاً على البحر الأحمر بطول ثمانمائة كيلومتر،اذ ان انهياره يهدد قناة السويس التي تعد شريانا رئيسياً للتجارة العالمية،
وتتقاطع العديد من المصادر على ان شبح مجاعة كارثية يهدد هذا البلد العربي والأفريقي، وحذرت منظمات غير حكومية من ان ملايين الاشخاص يمكن ان يموتوا جوعاً إذا استمرت ندرة الغذاء.
تفرض الصورة القاتمة للسودان المزيد من الاهتمام الدولي والمتابعة حتى يتم تجنب العواقب المأساوية قبل فوات الاوان ، حيث يمكن ان يتحول السودان بؤرة للارهاب والمافيات ، كما يمكن قيام بعض القوى بالسعي لبناء قواعد على البحر الأحمر مقابل دعم هذا الطرف او ذاك .
يتوجب إذاً الانتقال من التخلي والإهمال إلى قيام جهد دولي جديد لاسباب اخلاقية بديهية ولانه هناك مصالح مشتركة في اعادة الاستقرار للسودان، والأفضل ان تتمثل الاولويات في إيصال مساعدات غذائية ولقاحات على وجه السرعة للحد من عدد القتلى بسبب الجوع والمرض. وفي موازاة ذلك المطلوب هو الضغط على الجهات الخارجية التي تغذي الصراع. وقبل كل ذلك لا بد من صحوة ضمير عند القيادات المتحاربة العابثة بمستقبل السودانيين والسودان.