
Sign up to save your podcasts
Or
إذ كنتُ في أحد المقاهي منذ أيام، أحاول إنهاء مقال لإحدى الصحف، تناهى إليّ كلام سيّدة جالسة بقربي تلغو على الهاتف بصوتٍ عال نسبياً، تشتكي إلى أحدٍ ما، سأكتشف في ما بعد أنه زوجها، عن انزعاجها من الصديقة التي من المفترض أن تلتقي بها بعد دقائق. "لا أطيقها"، قالت له، "ولولا العيب والحيا والبزنس الذي بيننا لكنتُ قطعتُ علاقتي بها من زمان".
ما ان انهت السيدة الاتصال حتى وصلت المرأة التي "لا تطاق"، فعانقتها صديقتنا بحرارة قلما شهدتُ لها مثيلاً، وقبّلتها، لا مرة، لا ثلاث، بل خمس مرات. "يخرب زوقك شو اشتقتلك!"، بادرتها، ثم جلستا تتبادلان أطراف الحديث، وهو حديث سمعتُه للأسف من الألف الى الياء رغماً عني، بسبب التصاق طاولتينا. أما مضمون الحديث فكان في الجزء الأكبر منه شكاوى السيدة، "ما غيرها"، حول زوجها. "لا أطيقه"، قالت لصديقتها، "ولولا خوفي من حكي الناس والأطفال الثلاثة الذين بيننا، لكنتُ طلّقته من زمان".
دفعني هذا كلّه الى التأمل في أهل الازدواجية في هذا العالم، هؤلاء الذين أسمّيهم "دوبل فاس"، وما أكثرهم. حتى أنه لم يعد ثمة مكان تقريباً لأهل الشفافية والعري و"الوقاحة". هذه الازدواجية التي تتحكم بالناس، والتي صارت مفتاح العلاقات بين البشر، ليست مسألة ذكاء ولا شطارة ولا دبلوماسية ولا تهذيب، بل هي مسألة جبن، وإنكار، وكذب على الذات والآخر. وهي أيضاً مسألة أخلاق. ومن الصعب، في ضوء المعطيات القيمية السائدة، التي تعتمد على المصالح ومبدأ "حكّلي تَ حكّلك"، تغيير سلوك الناس بما يجعلهم يُحدثون ثورة على ذواتهم، ويتجرؤون على قول ما يفكّرون فيه بلا حسابات وروتوش.
ولكن، أسأل: أي باطنية، أي خبث، أي رياء هو هذا؟ وماذا يفعل المرء الذي يرفض أن يساوم؟ أيستسلم، أم يظل يحاول التمرد على الأمر الواقع؟
قد يكون الحلّ، حتى إشعار آخر، أن نظل نحلم بعالمٍ تبطل فيه موضة الـ"دوبل فاس".
إذ كنتُ في أحد المقاهي منذ أيام، أحاول إنهاء مقال لإحدى الصحف، تناهى إليّ كلام سيّدة جالسة بقربي تلغو على الهاتف بصوتٍ عال نسبياً، تشتكي إلى أحدٍ ما، سأكتشف في ما بعد أنه زوجها، عن انزعاجها من الصديقة التي من المفترض أن تلتقي بها بعد دقائق. "لا أطيقها"، قالت له، "ولولا العيب والحيا والبزنس الذي بيننا لكنتُ قطعتُ علاقتي بها من زمان".
ما ان انهت السيدة الاتصال حتى وصلت المرأة التي "لا تطاق"، فعانقتها صديقتنا بحرارة قلما شهدتُ لها مثيلاً، وقبّلتها، لا مرة، لا ثلاث، بل خمس مرات. "يخرب زوقك شو اشتقتلك!"، بادرتها، ثم جلستا تتبادلان أطراف الحديث، وهو حديث سمعتُه للأسف من الألف الى الياء رغماً عني، بسبب التصاق طاولتينا. أما مضمون الحديث فكان في الجزء الأكبر منه شكاوى السيدة، "ما غيرها"، حول زوجها. "لا أطيقه"، قالت لصديقتها، "ولولا خوفي من حكي الناس والأطفال الثلاثة الذين بيننا، لكنتُ طلّقته من زمان".
دفعني هذا كلّه الى التأمل في أهل الازدواجية في هذا العالم، هؤلاء الذين أسمّيهم "دوبل فاس"، وما أكثرهم. حتى أنه لم يعد ثمة مكان تقريباً لأهل الشفافية والعري و"الوقاحة". هذه الازدواجية التي تتحكم بالناس، والتي صارت مفتاح العلاقات بين البشر، ليست مسألة ذكاء ولا شطارة ولا دبلوماسية ولا تهذيب، بل هي مسألة جبن، وإنكار، وكذب على الذات والآخر. وهي أيضاً مسألة أخلاق. ومن الصعب، في ضوء المعطيات القيمية السائدة، التي تعتمد على المصالح ومبدأ "حكّلي تَ حكّلك"، تغيير سلوك الناس بما يجعلهم يُحدثون ثورة على ذواتهم، ويتجرؤون على قول ما يفكّرون فيه بلا حسابات وروتوش.
ولكن، أسأل: أي باطنية، أي خبث، أي رياء هو هذا؟ وماذا يفعل المرء الذي يرفض أن يساوم؟ أيستسلم، أم يظل يحاول التمرد على الأمر الواقع؟
قد يكون الحلّ، حتى إشعار آخر، أن نظل نحلم بعالمٍ تبطل فيه موضة الـ"دوبل فاس".
3 Listeners
126 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
3 Listeners
0 Listeners
121 Listeners
7 Listeners