وأخيرًا انتهى مسلسل "لام شمسية" الذي كنت قد تحدّثت عن أولى حلقاته في هذه المدونة، ولكنّي أجد من الضرورة أن أتحدّث عنه أكثر، فهو في رأيي واحد من أعظم المسلسلات في تاريخ المسلسلات العربية.

عظمة المسلسل تعود لعدة أسباب؛ السيناريو المتقن الذي تناول عدّة مواضيع مهمّة في مسلسل واحد، وركّز على كلّ التفاصيل، وكاتبته هي السيناريست (مريم نعوم). الإخراج العظيم للمخرج (كريم الشناوي) الذي بالتأكيد أثّر في أداء الفنانين والفنانات. الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة من كلمات الأغنية لملابس الفنانين لكلّ حرف قالوه يحمل مغزى، ومعاني كثيرة.

المسلسل لم يتناول فقط جريمة التحرّش بالأطفال، وإنما أيضا موضوع التشنّج المهبليّ، وهو بالمناسبة يحدث للكثير من السيّدات خاصّة في مجتمعاتنا العربية ولأسباب عديدة. موضوع ضرب الأطفال حيث أن المُغتصب عانى أيضًا في طفولته من والده الساديّ الذي كان يضربه. موضوع عدم اهتمام الأهالي بأطفالهم بسبب انشغالهم. والعكس أيضا، موضوع الخوف الزائد على الطفل لدرجة أن تصبح شخصيّته ضعيفة مثل شخصيّة (رباب). موضوع أهمية العلاج النفسيّ، وكان من الجميل أنّ هناك شخصية معالج نفسي شابّ واع تمنّيت لو أنّ هناك الكثير مثله على أرض الواقع. أيضًا الاهتمام بنفسيّة الطفل في المحكمة، وأتمنّى أنّ المحاكم فعلًا تكون بهذا الوعي.

أبهرني تمثيل الجميع وأخصُّ ثلاثَ شخصيّاتٍ:

(يوسف) الذي قام بدوره الطفل (علي البيلي)، وكان تمثيله يستحقّ عنه جائزة (الأوسكار)، حيث أبدع في التمثيل لدرجة أنّك لا تصدّق كيف أنّ طفلًا بهذا العمر يستطيع أن يمثّل دورًا بهذا التعقيد، وملامحه تكون صادقة لهذا الحدّ، ونعود مرة أخرى للمخرج (كريم الشناوي)، فهو بالتأكيد له دور كبير في ذلك.

(زينة)، وهي الشخصية الثانية التي أبهرتني. مثّلت دورها الفنانة الصاعدة (ياسمينا العبد)، وأتوقّع مستقبلًا زاهرًا لها، فهي تلقائية وحقيقية جدًّا. وأعجبني أنها كانت مثالًا لجيل (z زد) الجيل الذي يهتمّ بحقوق الإنسان، ويدافع عن المظلوم حتى بعد أن عرفت أنّ الظالم هو والدها. كانت دائما متعاطفة مع الطفل، وقالت له جملة يشتهر بها هذا الجيل: "آسفه ليك"، وهي ترجمة حرفية لـ"sorry for you”.

الشخصية الثالثة هي شخصية المتحرّش (وسام)، والذي قام بدوره (محمد شاهين)، وهي شخصية حسّاسة جدًّا، وأرى أنّ هذا الفنان شجاع لأنه وافق على تمثيل هذه الشخصية مع العلم أنني صدّقته لدرجة أنني والكثير غيري يشعرون بكراهية ناحيته بسبب دوره. ولكنّ هذا دليل على أنه كان بارعًا لدرجة أنّ الجميع لم يعد يفرّق بينه والشخصية التي تقمّص دورها.

مسلسل (لام شمسية) ذكّرنا أنّ الفنّ رسالة، وأنّ الفنّ يستطيع تغيير وعي المجتمع، وأتمنّى أن تنتج عن ذلك قوانين تحمي الأطفال، ويكون هناك اهتمام بالعلاج النفسي لأنّ هذا هو الأساس لمجتمع صحيّ وواعٍ قادر على البناء والتطور.