
Sign up to save your podcasts
Or
ليس من حقيقي، ليس من مُجدٍ، في مثل هذه الظروف وحيال هذه المأساة التي نعيشها في لبنان، سوى الصمت. هذا شعوري في الأقل. نقضي الأيام والليالي الطوال أمام شاشات التلفزة، نصغي الى أخبار القتل والدمار والتشرّد من جهة، والى التحليلات والتحليلات المضادة من جهة ثانية، ناهيك بالاستنكارات الفارغة والإدانات المعادة والاستعراضات العاطفية المائعة، فندرك كم أن الحكي قليل، وواهٍ، وتافه، أمام هول ما حصل ويحصل.
لن أتكلم اليوم عن القتلى المشلّعة أشلاؤهم في الشوارع وتحت إسمنت الأبنية. لن أتكلم عن الجرحى المتأوهين ألماً على أسرّة المستشفيات، هذا إذا وجدوا سريراً. لن أتكلم عن الأطفال اليتامى، والأمهات الثكالى، والعدد الهائل من الناس الذين فقدوا قريباً أو عزيزاً. لن أتكلم حتى عن النازحين الذين تؤويهم المدارس والمراكز والنوادي والأديرة والجوامع، والذين تفتقر أحوالهم غالباً الى أبسط مقومات العيش الكريم، من تدفئة وفرش وأغطية ومياه صحية وسواها. سأتكلم، فقط وحصراً وتحديداً، عن الذين فقدوا السقف الذي يؤويهم، إما بسبب التدمير، أو بسبب الرعب من التدمير، فتركوا كل شيء وراءهم، ثيابهم وأسرّتهم وصورهم وتفاصيلهم الكبيرة والصغيرة، وخرجوا الى المجهول. هؤلاء يفترشون اليوم الأرصفة والطرقات والساحات. هؤلاء اليوم يكسرون قلبي. يفتتونه. يمعسونه معساً. كلما سقطت نقطة مطر من سماء، لا أفكّر إلا فيهم. كلما سطعت شمس حارقة بين الغيوم، لا أفكّر إلا فيهم. كلما جعتُ وأكلت، أو عطشتُ وشربت، أو بردتُ فاستدفأت، لا أفكّر إلا فيهم.
لعلّ مأساتنا الكبرى اليوم، في أرض المآسي هذه، وجرحنا الأعمق، في أرض الجراح هذه، هي هؤلاء. هي دموع هؤلاء التي لا تجد من يمسحها، وعويل هؤلاء الذي لا يجد من يسكّنه، وبؤس هؤلاء الذي لا يجد من يواسيه. عذابٌ لا يمكنه أن يتكمّش بأي نقطة أمل، عذاب يعلم أن لا ينتظره في الغد إلا المزيد من العذاب. قلتُ قبلاً إنهم خرجوا الى المجهول، وبالمجهول عنيتُ: دولة غائبة، مؤسسات منهارة، والكثير من الأحقاد المتوارثة والمتراكمة التي يدفعون هم أثمانها بلا ذنب. خرجوا أيضاً الى ما هو أسوأ: اللامبالاة. اللاتعاطف. اللاتضامن. في اختصار: اللاإنسانية.
نشرات أخبار ومقالات صحافية. تحليلات وتوصيفات وتفسيرات سياسية وعسكرية واستراتيجية. كلام كلام كلام. ليس من حقيقي، في جهنمنا هذه، سوى الصمت. كل ما تبقّى محض ضجيج لإسكاته.
اصمتوا لحظة، لحظة واحدة فقط، تسمعوا صراخه المرعب في رؤوسكم.
ليس من حقيقي، ليس من مُجدٍ، في مثل هذه الظروف وحيال هذه المأساة التي نعيشها في لبنان، سوى الصمت. هذا شعوري في الأقل. نقضي الأيام والليالي الطوال أمام شاشات التلفزة، نصغي الى أخبار القتل والدمار والتشرّد من جهة، والى التحليلات والتحليلات المضادة من جهة ثانية، ناهيك بالاستنكارات الفارغة والإدانات المعادة والاستعراضات العاطفية المائعة، فندرك كم أن الحكي قليل، وواهٍ، وتافه، أمام هول ما حصل ويحصل.
لن أتكلم اليوم عن القتلى المشلّعة أشلاؤهم في الشوارع وتحت إسمنت الأبنية. لن أتكلم عن الجرحى المتأوهين ألماً على أسرّة المستشفيات، هذا إذا وجدوا سريراً. لن أتكلم عن الأطفال اليتامى، والأمهات الثكالى، والعدد الهائل من الناس الذين فقدوا قريباً أو عزيزاً. لن أتكلم حتى عن النازحين الذين تؤويهم المدارس والمراكز والنوادي والأديرة والجوامع، والذين تفتقر أحوالهم غالباً الى أبسط مقومات العيش الكريم، من تدفئة وفرش وأغطية ومياه صحية وسواها. سأتكلم، فقط وحصراً وتحديداً، عن الذين فقدوا السقف الذي يؤويهم، إما بسبب التدمير، أو بسبب الرعب من التدمير، فتركوا كل شيء وراءهم، ثيابهم وأسرّتهم وصورهم وتفاصيلهم الكبيرة والصغيرة، وخرجوا الى المجهول. هؤلاء يفترشون اليوم الأرصفة والطرقات والساحات. هؤلاء اليوم يكسرون قلبي. يفتتونه. يمعسونه معساً. كلما سقطت نقطة مطر من سماء، لا أفكّر إلا فيهم. كلما سطعت شمس حارقة بين الغيوم، لا أفكّر إلا فيهم. كلما جعتُ وأكلت، أو عطشتُ وشربت، أو بردتُ فاستدفأت، لا أفكّر إلا فيهم.
لعلّ مأساتنا الكبرى اليوم، في أرض المآسي هذه، وجرحنا الأعمق، في أرض الجراح هذه، هي هؤلاء. هي دموع هؤلاء التي لا تجد من يمسحها، وعويل هؤلاء الذي لا يجد من يسكّنه، وبؤس هؤلاء الذي لا يجد من يواسيه. عذابٌ لا يمكنه أن يتكمّش بأي نقطة أمل، عذاب يعلم أن لا ينتظره في الغد إلا المزيد من العذاب. قلتُ قبلاً إنهم خرجوا الى المجهول، وبالمجهول عنيتُ: دولة غائبة، مؤسسات منهارة، والكثير من الأحقاد المتوارثة والمتراكمة التي يدفعون هم أثمانها بلا ذنب. خرجوا أيضاً الى ما هو أسوأ: اللامبالاة. اللاتعاطف. اللاتضامن. في اختصار: اللاإنسانية.
نشرات أخبار ومقالات صحافية. تحليلات وتوصيفات وتفسيرات سياسية وعسكرية واستراتيجية. كلام كلام كلام. ليس من حقيقي، في جهنمنا هذه، سوى الصمت. كل ما تبقّى محض ضجيج لإسكاته.
اصمتوا لحظة، لحظة واحدة فقط، تسمعوا صراخه المرعب في رؤوسكم.
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
3 Listeners
0 Listeners
120 Listeners
3 Listeners