
Sign up to save your podcasts
Or
قامت الدنيا ولم تقعد شرقًا وغربًا، بسبب لقطة فيديو مسرّبة تظهر فيها السيّدة بريجيت ماكرون وهي توجّه ما قيل إنه صفعة إلى وجه زوجها الرئيس الفرنسيّ.
اللقطة المسرّبة مثيرة طبعًا، وهي بالنسبة إليّ مثيرة للغضب خصوصاً، لكنها ألهت الناس عن همومهم ومتاعبهم ومصائبهم، وباتت شغلهم الشاغل، حكّامهم والمحكومين، كبارهم والصغار.
وسائط التواصل، التلفزيونات، برامج التوك شو، الجرائد الصفراء والبيضاء، شاءت أنْ تعتبر هذا الموضوع الشخصيّ موضوعها الأساسيّ والعموميّ، محوِّلةً الحياة الشخصية إلى مشاع، إلى ملكية عامة. وهذا إنْ دلّ على شيء فعلى أنّ العالم وقح ومريض، لا يفصل بين الحياة الشخصيّة والشأن العام، بل يزدري الحياة الشخصيّة، ويعرّيها، ويبصبص عليها، ويتطاول، ويتعدّى، معتبرًا أنّ له حقًّا فيها، فيدلي بدلوه، كأنّها قضية وكأنه صاحب رأي فيها.
هنا قد يقول قائل إنه لو كانت المسألة معكوسة، أي لو كان الصافع رجلاً والمصفوعة امرأة، لكانت ربما قامت الدنيا أكثر. وقد يكون هؤلاء على حق، لا لسبب سوى لأنّ العنف الممارس على النساء يكاد يكون مطبّعاً لفرط حدوثه، بينما العكس نادر الحدوث. لكنّ هذه ليست حجة طبعا لأن العنف مرفوض في كل أحواله.
في المقابل، مرّت هذه المسألة مرور الكرام تقريباً في فرنسا، فلم يعرها كثرٌ اهتمامًا، ولم تشغل الناس، ولا وسائل الإعلام. لماذا؟ لأنّ الحياة الشخصيّة مقدّسة هناك، وليس لأحدٍ أنْ يتدخّل فيها، وإنْ تسرّبت بعض أخبارها إلى العلن.
هذه مسألة ثقافة، ومسألة معايير، وخلقيّات، وقيم. فلا أحد تقريباً يفكّر في فرنسا، مثلًا، في اعتبار أنّه معنّي بحياة الرئيس وزوجته، ومشاكلهما الشخصيّة، ما دامت هذه الحياة تعنيهما هما فقط، ولا تنعكس على مصالحهم وهمومهم.
إلّا أنّ الثقافة الكيتشيّة الراهنة سطّحت كلّ شيء، وكسرت الحواجز بين العموميّ والخاصّ، وسمحت لمعاييرها الاستعراضيّة بتتفيه الحياة وتشييئها وتعريتها، وبخلط الشخصيّ بالمشاع، بما يجعل أيًّا كان يدسّ أنفه في أمور الآخرين الحميمة.
باتت الفضيحة هي موضوع الاهتمام، لا الجوع، ولا غلاء المعيشة، ولا سباق التسلّح، ولا الودائع المنهوبة، ولا حرب الإبادة في غزة.
قليل من التهيّب والتحفّظ، أيها العالم.
نحن ننوء تحت ركاماتنا، وأنتم مشغولون بصفعة بريجيت.
هزلت!
قامت الدنيا ولم تقعد شرقًا وغربًا، بسبب لقطة فيديو مسرّبة تظهر فيها السيّدة بريجيت ماكرون وهي توجّه ما قيل إنه صفعة إلى وجه زوجها الرئيس الفرنسيّ.
اللقطة المسرّبة مثيرة طبعًا، وهي بالنسبة إليّ مثيرة للغضب خصوصاً، لكنها ألهت الناس عن همومهم ومتاعبهم ومصائبهم، وباتت شغلهم الشاغل، حكّامهم والمحكومين، كبارهم والصغار.
وسائط التواصل، التلفزيونات، برامج التوك شو، الجرائد الصفراء والبيضاء، شاءت أنْ تعتبر هذا الموضوع الشخصيّ موضوعها الأساسيّ والعموميّ، محوِّلةً الحياة الشخصية إلى مشاع، إلى ملكية عامة. وهذا إنْ دلّ على شيء فعلى أنّ العالم وقح ومريض، لا يفصل بين الحياة الشخصيّة والشأن العام، بل يزدري الحياة الشخصيّة، ويعرّيها، ويبصبص عليها، ويتطاول، ويتعدّى، معتبرًا أنّ له حقًّا فيها، فيدلي بدلوه، كأنّها قضية وكأنه صاحب رأي فيها.
هنا قد يقول قائل إنه لو كانت المسألة معكوسة، أي لو كان الصافع رجلاً والمصفوعة امرأة، لكانت ربما قامت الدنيا أكثر. وقد يكون هؤلاء على حق، لا لسبب سوى لأنّ العنف الممارس على النساء يكاد يكون مطبّعاً لفرط حدوثه، بينما العكس نادر الحدوث. لكنّ هذه ليست حجة طبعا لأن العنف مرفوض في كل أحواله.
في المقابل، مرّت هذه المسألة مرور الكرام تقريباً في فرنسا، فلم يعرها كثرٌ اهتمامًا، ولم تشغل الناس، ولا وسائل الإعلام. لماذا؟ لأنّ الحياة الشخصيّة مقدّسة هناك، وليس لأحدٍ أنْ يتدخّل فيها، وإنْ تسرّبت بعض أخبارها إلى العلن.
هذه مسألة ثقافة، ومسألة معايير، وخلقيّات، وقيم. فلا أحد تقريباً يفكّر في فرنسا، مثلًا، في اعتبار أنّه معنّي بحياة الرئيس وزوجته، ومشاكلهما الشخصيّة، ما دامت هذه الحياة تعنيهما هما فقط، ولا تنعكس على مصالحهم وهمومهم.
إلّا أنّ الثقافة الكيتشيّة الراهنة سطّحت كلّ شيء، وكسرت الحواجز بين العموميّ والخاصّ، وسمحت لمعاييرها الاستعراضيّة بتتفيه الحياة وتشييئها وتعريتها، وبخلط الشخصيّ بالمشاع، بما يجعل أيًّا كان يدسّ أنفه في أمور الآخرين الحميمة.
باتت الفضيحة هي موضوع الاهتمام، لا الجوع، ولا غلاء المعيشة، ولا سباق التسلّح، ولا الودائع المنهوبة، ولا حرب الإبادة في غزة.
قليل من التهيّب والتحفّظ، أيها العالم.
نحن ننوء تحت ركاماتنا، وأنتم مشغولون بصفعة بريجيت.
هزلت!
304 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
3 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
5 Listeners