
Sign up to save your podcasts
Or
طرح عليّ أحدهم في الأمس سؤالاً قضّ مضاجعي. قال: "أراك دائما تكتبين ملاحظات في أجندات. أين تضعينها يا ترى؟ لكم أتمنى أن "أفلفش" فيها! هل سوف تجعلينها متاحة لنا نحن قرّاءك الأوفياء في أحد الأيام؟".
ما إن قال الرجل هذا الكلام وطرح عليّ هذا السؤال حتى شعرت بالذعر واجتاحتني الرغبة في أن أعود الى المنزل وأشعل ناراً وأحرق عشرات الأجندات التي رافقت أيامي وأفكاري على مرّ السنين الأخيرة. ليس لأني ائتمنها على أسرار خطيرة، فهي في الغالب محض أداة لتنظيم نهاري، أنا المهووسة بالتنظيم. ولكن لأنها جزء من خصوصيتي لا أريد لأحد أن يطّلع عليه، لا الآن، ولا بعد مماتي.
قد يقول قائل، إنه كلما رحل كاتب، أخذ معه سرباً من الأسرار، فأيقظ فينا جوعاً إلى معرفته أكثر. وأعمق: جوع إلى "استنطاق" صمته، وجوع الى تظهير كلماته. مما يدفع البعض الى نبش أوراقه الخاصة. لكم يزعجني هذا السلوك، ولكم اشعر انه انتهاك للحرمة. استنطقوا الكتب فحسب، أما كاتبوها الموتى فاتركوهم يرقدون بسلام.
ليس من سبب، مهما يكن جليلاً، يستدعي إيقاظهم بهذه الطريقة المنتهِكة. فلندعهم يرتاحون. لقد أقضّت الحياة مضاجعهم طويلاً أو قصيراً، فلماذا نقضّهم في قبورهم. لماذا ننقض على جثث الكتّاب والفنانين والفلاسفة والمخترعين، ولا نكفّ عن إزعاجهم في مناماتهم؟
لا سر يستحق ان نزعجهم. إنهم هناك يحلمون كثيراً وجدّاً. إنهم هناك يحلمون من أجل أرواحهم وأجسامهم الغائبة. ويحلمون عنا، خصوصاً، ومن أجلنا.
لنرفع أيدينا عن الموتى. هشاشتهم يجب أن تكون حمايتهم من تطفلاتنا. فلا تخدشوا هشاشتهم هذه، وإن بوردة.
بعد عمر طويل أو قصير، سأمنح الكثير من اسراري وأفكاري وفرائسي وليمة للموت.
اوصيكم من الآن: اتركوه، هذا الموت، اتركوه هذا الصمت، يلتهمني بسلام.
طرح عليّ أحدهم في الأمس سؤالاً قضّ مضاجعي. قال: "أراك دائما تكتبين ملاحظات في أجندات. أين تضعينها يا ترى؟ لكم أتمنى أن "أفلفش" فيها! هل سوف تجعلينها متاحة لنا نحن قرّاءك الأوفياء في أحد الأيام؟".
ما إن قال الرجل هذا الكلام وطرح عليّ هذا السؤال حتى شعرت بالذعر واجتاحتني الرغبة في أن أعود الى المنزل وأشعل ناراً وأحرق عشرات الأجندات التي رافقت أيامي وأفكاري على مرّ السنين الأخيرة. ليس لأني ائتمنها على أسرار خطيرة، فهي في الغالب محض أداة لتنظيم نهاري، أنا المهووسة بالتنظيم. ولكن لأنها جزء من خصوصيتي لا أريد لأحد أن يطّلع عليه، لا الآن، ولا بعد مماتي.
قد يقول قائل، إنه كلما رحل كاتب، أخذ معه سرباً من الأسرار، فأيقظ فينا جوعاً إلى معرفته أكثر. وأعمق: جوع إلى "استنطاق" صمته، وجوع الى تظهير كلماته. مما يدفع البعض الى نبش أوراقه الخاصة. لكم يزعجني هذا السلوك، ولكم اشعر انه انتهاك للحرمة. استنطقوا الكتب فحسب، أما كاتبوها الموتى فاتركوهم يرقدون بسلام.
ليس من سبب، مهما يكن جليلاً، يستدعي إيقاظهم بهذه الطريقة المنتهِكة. فلندعهم يرتاحون. لقد أقضّت الحياة مضاجعهم طويلاً أو قصيراً، فلماذا نقضّهم في قبورهم. لماذا ننقض على جثث الكتّاب والفنانين والفلاسفة والمخترعين، ولا نكفّ عن إزعاجهم في مناماتهم؟
لا سر يستحق ان نزعجهم. إنهم هناك يحلمون كثيراً وجدّاً. إنهم هناك يحلمون من أجل أرواحهم وأجسامهم الغائبة. ويحلمون عنا، خصوصاً، ومن أجلنا.
لنرفع أيدينا عن الموتى. هشاشتهم يجب أن تكون حمايتهم من تطفلاتنا. فلا تخدشوا هشاشتهم هذه، وإن بوردة.
بعد عمر طويل أو قصير، سأمنح الكثير من اسراري وأفكاري وفرائسي وليمة للموت.
اوصيكم من الآن: اتركوه، هذا الموت، اتركوه هذا الصمت، يلتهمني بسلام.
3 Listeners
126 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
3 Listeners
0 Listeners
121 Listeners
6 Listeners