
Sign up to save your podcasts
Or


عزيزي بابا نويل، أكتب إليك، لا لأنني لا أزال أؤمن بقدرتك الخارقة على عبور المداخن (يا ريت!)، بل لأني أحتاج، ولبنان يحتاج، والعالم كله يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى مخاطبة وهمك الجميل بوصفه شكلا من أشكال الحقيقة الممكنة.
أكتب إليك لأن الواقع بات أثقل من أن نحمله وحدنا، ولأننا حين نعجز عن مخاطبة الآلهة (لكلّ الأسباب)، نلجأ إلى الأساطير الأقل قسوة.
أمنيتي الأولى، لنفسي، بسيطة: أن أستيقظ دون أن أشعر بالذنب. أن أعيش دون أن أُحاسِب نفسي على نجاتي، فيما الآخرون يغرقون. أن أفرح دون أن أعتذر. أن أفرح، نقطة. أن أحتفظ بفضولي، لا بندوبي فحسب. أن أكتب، لا لأن الصمت صار خانقاً، بل لأنني أريد. وأن أظلّ قادرة على الدهشة، تلك التي لم يفلح الخراب فيّ ومن حولي في مصادرتها بالكامل حتى الآن.
أما لبنان، أيها الأب نويل، فأمنيتي له قد تبدو معجزة مستحيلة، لكنها في الواقع حق بديهي: أن يُترَك وشأنه. أن يُترَك ليكون بلداً، لا ساحة. بيتاً، لا متراساً. أريده أن يستعيد معنى الدولة، لا كجهاز قمع أو كمفهوم فاشل، بل كحصن. أريد لأطفاله ان يكبروا وهم يحلمون بالمستقبل، لا بالهجرة. أن يعود العمل فعلاً كريماً لا إذلالاً يومياً، وألا يضطر الناس إلى اختيار أيّهما أولى: الدواء أم الخبز. أريده وطناً لا يُكافئ الوقاحة والنذالة والفساد، ويعاقب النزاهة والتعاطف والأخلاق.
أما قادة العالم، يا بابا نويل، فأمنيتي لهم أن يتعلّموا الخجل: أن يخجلوا من حروبهم، من شهيتهم المفتوحة على الدم، من ازدواجية معاييرهم، ومن خطبهم الكاذبة والفارغة. أريدهم أن يعيدوا تعريف القوة بوصفها حماية الضعفاء لا سحقا لهم، وأن يكفّوا عن تحويل الإنسان إلى رقم، والضحايا إلى إحصاءات، والمآسي إلى أخبار عابرة.
أعرف أنك لن تستطيع تحقيق هذا كله. أعرف أنك محض استعارة ننتقم بها من عجزنا. لكن لا بأس. أحياناً يكفي أن نكتب أمانينا كي لا نموت اختناقاً. يكفي أن نسمّي ما نريده كي لا ننسى أننا لا نزال نستحقه.
وإن كنتَ عاجزاً عن الهدايا الكبيرة هذا العام، يا بابا نويل، فأرسل الينا فقط بعض الأمل غير السام، وسنة أقل وحشية من سابقاتها.
كل سنة وأنت، ونحن، بخير.
By مونت كارلو الدولية / MCDعزيزي بابا نويل، أكتب إليك، لا لأنني لا أزال أؤمن بقدرتك الخارقة على عبور المداخن (يا ريت!)، بل لأني أحتاج، ولبنان يحتاج، والعالم كله يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى مخاطبة وهمك الجميل بوصفه شكلا من أشكال الحقيقة الممكنة.
أكتب إليك لأن الواقع بات أثقل من أن نحمله وحدنا، ولأننا حين نعجز عن مخاطبة الآلهة (لكلّ الأسباب)، نلجأ إلى الأساطير الأقل قسوة.
أمنيتي الأولى، لنفسي، بسيطة: أن أستيقظ دون أن أشعر بالذنب. أن أعيش دون أن أُحاسِب نفسي على نجاتي، فيما الآخرون يغرقون. أن أفرح دون أن أعتذر. أن أفرح، نقطة. أن أحتفظ بفضولي، لا بندوبي فحسب. أن أكتب، لا لأن الصمت صار خانقاً، بل لأنني أريد. وأن أظلّ قادرة على الدهشة، تلك التي لم يفلح الخراب فيّ ومن حولي في مصادرتها بالكامل حتى الآن.
أما لبنان، أيها الأب نويل، فأمنيتي له قد تبدو معجزة مستحيلة، لكنها في الواقع حق بديهي: أن يُترَك وشأنه. أن يُترَك ليكون بلداً، لا ساحة. بيتاً، لا متراساً. أريده أن يستعيد معنى الدولة، لا كجهاز قمع أو كمفهوم فاشل، بل كحصن. أريد لأطفاله ان يكبروا وهم يحلمون بالمستقبل، لا بالهجرة. أن يعود العمل فعلاً كريماً لا إذلالاً يومياً، وألا يضطر الناس إلى اختيار أيّهما أولى: الدواء أم الخبز. أريده وطناً لا يُكافئ الوقاحة والنذالة والفساد، ويعاقب النزاهة والتعاطف والأخلاق.
أما قادة العالم، يا بابا نويل، فأمنيتي لهم أن يتعلّموا الخجل: أن يخجلوا من حروبهم، من شهيتهم المفتوحة على الدم، من ازدواجية معاييرهم، ومن خطبهم الكاذبة والفارغة. أريدهم أن يعيدوا تعريف القوة بوصفها حماية الضعفاء لا سحقا لهم، وأن يكفّوا عن تحويل الإنسان إلى رقم، والضحايا إلى إحصاءات، والمآسي إلى أخبار عابرة.
أعرف أنك لن تستطيع تحقيق هذا كله. أعرف أنك محض استعارة ننتقم بها من عجزنا. لكن لا بأس. أحياناً يكفي أن نكتب أمانينا كي لا نموت اختناقاً. يكفي أن نسمّي ما نريده كي لا ننسى أننا لا نزال نستحقه.
وإن كنتَ عاجزاً عن الهدايا الكبيرة هذا العام، يا بابا نويل، فأرسل الينا فقط بعض الأمل غير السام، وسنة أقل وحشية من سابقاتها.
كل سنة وأنت، ونحن، بخير.

314 Listeners

1 Listeners

1 Listeners

5 Listeners

1 Listeners

1 Listeners

0 Listeners

0 Listeners

0 Listeners

1 Listeners

0 Listeners

2 Listeners

0 Listeners

4 Listeners

1 Listeners

2 Listeners

0 Listeners

0 Listeners

0 Listeners

6 Listeners

1 Listeners

1 Listeners

0 Listeners