تاريخها ضارب في القدم، إنّها مدينة جبيل المأهولة بصورة مستمرّة منذ العصر الحجري النيوليثي الحديث أي كانت ولا تزال مسكونة من الشعوب منذ 9 آلاف سنة مضت. نكرّس هذا العدد الخاص من "النشرة العلمية"لأحدث الكنوز الأثرية المُكتشفة في مدينة الحرف اللبنانية أي بيبلوس/ جبيل المدرجة على لائحة التراث العالمي منذ العام 1984.

جبيل أو بيبلوس التي انطلق من شاطئها قَدْموس ملك مدينة صور حاملا الأحرف الأبجدية الفينيقية إلى العالم، شهدت في العصر البرونزي الوسيط أي في الألفية الثانية ما قبل الميلاد حراكا تجاريا وتمازجا ثقافيا مع مصر الفرعونية. لعلّ أبرز الأدلّة على ما سبق وقلناه هي الموجودات التاريخية التي عثر عليها في السنوات القليلة الماضية ضمن "مقابر النخبة" المتاخمة بموقعها لسور قلعة جبيل من الجانب الجنوبي والتي ظلّت خفيّة ومجهولة من علماء الآثار لغاية سنة 2018، تاريخ اكتشاف تلك المقابر على يد البعثة اللبنانية-الفرنسية Byblos et la mer.

ابتداء من العام 2019 وطيلة ثلاث سنوات، استُكملت الحفريات في المكان عينه بالتعاون مع الدكتور Julien Chanteau من متحف اللوفر الباريسي Musée du Louvre. 

تحدّث بإسهاب عن تلك المقابر الأثرية وثائقي كتبه Philippe Aractinji  وJonas Rosales تحت عنوان : لبنان وأسرار مملكة جبيل Liban, les secrets du Royaume de Byblos. يمكنكم مشاهدة هذا الوثائقي إما بزيارة الموقع الالكتروني لتلفزيون Arte الفرنسي-الألماني، إمّا بانتظار عرضه من جديد على شاشة Arte من بعد ظهر يوم الأحد الواقع في السادس والعشرين من شهر يناير الجاري عند الساعة الثالثة والربع بالتوقيت الفرنسي.

https://www.arte.tv/fr/videos/108935-000-A/liban-les-secrets-du-royaume-de-byblos/

 

معنا في هذا العدد الخاص من النشرة العلمية، المسؤولة عن محافظة جبل لبنان الشمالي وموقع جبيل الأثري في المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة ومديرة مشروع الحفريات في مقابر النخبة في جبيل وعالمة الآثار، تانيا زافين التي تطلعنا، من خلال التسجيل الصوتي، على الميزات الهندسية لتشييد ثمانية مقابر لأكابر القوم في الصخر الرملي تعود للعصر البرونزي الوسيط.

 

المقابر الثمانية لأكابر القوم في جبيل والتي ستستمرّ الحفريات داخلها متى تحسّنت الأوضاع وجدت مديرية الآثار اللبنانية ضمنها مجموعة فريدة من الجرار والأواني الفخارية ومجموعة من الأحجار الكريمة المعروفة بالعُجران، أهم وأجمل الرموز الفرعونية التي كانت توضع على صدور المومياوات كما شرحت لنا عالمة الآثار تانيا زافين.

 

عدا عن أنّ المقابر الأثرية لأكابر القوم في جبيل استعرضت موجوداتها هول عظمة الحضارة المصرية والتلاقح الثقافي بين أهل جبيل الكنعانيين والمصريين القدماء فإنّ الميناء القديم المختفي المعالم في مدينة بيبلوس لعب دورا في إشعاع شجرة الأرز التي ثمّن الفراعنة زيتها وخشبها كما فسّرت لنا عالمة الآثار تانيا زافين.

 

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الموجودات الأثرية في مقابر جبيل التاريخية سيؤتى بها إلى معهد العالم العربي في باريس لعرضها أمام الجمهور الفرنسي في آذار/مارس 2026. إلى حين ذلك التاريخ، سيأوي المتحف الوطني اللبناني في بيروت تلك الموجودات على أن يفتتح بها "البيت التراثي-اللبناني" بعد انتهاء ترميمه هو الذي يقع وسط موقع جبيل الأثري حيث بإطلالته الفتّانة على البحر الأبيض المتوسط سيصبح مركزا للمعارض من شأنه الإسهام في ثراء البرامج الفنية والثقافية في لبنان، وطن الرسالة.