
Sign up to save your podcasts
Or
على أطراف الزمن، حيث تُلقى ظلال الماضي كأشباح تائهة، يقف العربيّ مُنتصب القامة، عينه على خرائط الأجداد وقلبه معلقٌ بسيوفهم التي صدأت. يُحدّثك عن الفتوحات، عن القصور التي شهدت ولادة الفلسفة، عن حواضر كانت يومًا قبلة النور، وعن عصورٍ كُتب فيها الشعر كما تُكتب الأحلام. لكنه، حين تُمعن النظر، لا تجد في يده إلا رمادًا، وفي صوته إلا رجعًا بعيدًا لأمجادٍ لم يكن له يدٌ في صناعتها.
أشبه بالبغال التي تتفاخر بأن أصولها كانت خيولا أصيلة، لكنها تُساق حيث يشاء صاحبها، بلا إرادةٍ ولا كبرياء. يُحملّون ظهورهم أثقالًا من التبعية، يُزَيّنون صُوَر أسلافهم بأطواقٍ من الدمع، وكأن التمجيد المستمر لآبائهم يُكفّر عن مذلّتهم الراهنة. يقفون على أنقاض مدائنهم، لا ليبكوا الخراب، بل ليحكوا حكاياتٍ عن زمنٍ كانت فيه أسوار العلم شاهقةً والمكتبات ممتلئةً والعقول مضاءة. كأنّ التذكّر وحده يُعيد المجد، وكأن الصدى يُغني عن الصوت.
في ساحات السياسة، يقتتلون على ما تبقى من إرثٍ، يهرولون وراء فتات النفوذ، يصفّقون لأعدائهم حين يُلقون إليهم بالفتات. تراهم ينقسمون على أنفسهم، يضرمون نار الفرقة فيما بينهم، يُقيمون تحالفاتٍ هشّة، يخوضون معارك وهميّة، بينما تمرّ فوق رؤوسهم قراراتٌ تُصاغ بلغاتٍ لا يفهمونها، وتُرسم خرائط لا رأي لهم فيها. إنّهم يسكنون عصرًا لا يحتاج إلى أجدادهم، بل إلى من يصنعون التاريخ كما صَنَعَه أولئك الأجداد، لا كما يروونه بألسنةٍ مرتجفة.
الأدهى، أنّهم لا يرون في هزيمتهم إلا مؤامرات الآخرين، كأنهم ما خسروا بجهلهم وتخاذلهم وخيانتهم لبعضهم، بل بيد أعداء متخيّلين يتربّصون بهم في كل زاوية. إنهم يرفضون أن يُحمّلوا أنفسهم وزر ما وصلوا إليه، فيعيشون في غيبوبةٍ يسمونها وطنية، يرفعون فيها شعاراتٍ خاوية، يُنادون بدين وعروبةٍ لم يعودوا يؤمنون بها إلا في شعائرهم وخطاباتهم، يهتفون للماضي لأن الحاضر لا يُلهمهم إلا بالخزي.
ما نفع الفخر بدماء أصيلة إن كانت البغال لا تزال بغالًا؟
الماضي لا يُورَّث، والمجد لا يُستعار. هو يُصنع بالقوة ويُنحت بالصبر والمعرفة والإنجاز، لا بالتفاخر الأجوف ولا بالنحيب على الأطلال.
على أطراف الزمن، حيث تُلقى ظلال الماضي كأشباح تائهة، يقف العربيّ مُنتصب القامة، عينه على خرائط الأجداد وقلبه معلقٌ بسيوفهم التي صدأت. يُحدّثك عن الفتوحات، عن القصور التي شهدت ولادة الفلسفة، عن حواضر كانت يومًا قبلة النور، وعن عصورٍ كُتب فيها الشعر كما تُكتب الأحلام. لكنه، حين تُمعن النظر، لا تجد في يده إلا رمادًا، وفي صوته إلا رجعًا بعيدًا لأمجادٍ لم يكن له يدٌ في صناعتها.
أشبه بالبغال التي تتفاخر بأن أصولها كانت خيولا أصيلة، لكنها تُساق حيث يشاء صاحبها، بلا إرادةٍ ولا كبرياء. يُحملّون ظهورهم أثقالًا من التبعية، يُزَيّنون صُوَر أسلافهم بأطواقٍ من الدمع، وكأن التمجيد المستمر لآبائهم يُكفّر عن مذلّتهم الراهنة. يقفون على أنقاض مدائنهم، لا ليبكوا الخراب، بل ليحكوا حكاياتٍ عن زمنٍ كانت فيه أسوار العلم شاهقةً والمكتبات ممتلئةً والعقول مضاءة. كأنّ التذكّر وحده يُعيد المجد، وكأن الصدى يُغني عن الصوت.
في ساحات السياسة، يقتتلون على ما تبقى من إرثٍ، يهرولون وراء فتات النفوذ، يصفّقون لأعدائهم حين يُلقون إليهم بالفتات. تراهم ينقسمون على أنفسهم، يضرمون نار الفرقة فيما بينهم، يُقيمون تحالفاتٍ هشّة، يخوضون معارك وهميّة، بينما تمرّ فوق رؤوسهم قراراتٌ تُصاغ بلغاتٍ لا يفهمونها، وتُرسم خرائط لا رأي لهم فيها. إنّهم يسكنون عصرًا لا يحتاج إلى أجدادهم، بل إلى من يصنعون التاريخ كما صَنَعَه أولئك الأجداد، لا كما يروونه بألسنةٍ مرتجفة.
الأدهى، أنّهم لا يرون في هزيمتهم إلا مؤامرات الآخرين، كأنهم ما خسروا بجهلهم وتخاذلهم وخيانتهم لبعضهم، بل بيد أعداء متخيّلين يتربّصون بهم في كل زاوية. إنهم يرفضون أن يُحمّلوا أنفسهم وزر ما وصلوا إليه، فيعيشون في غيبوبةٍ يسمونها وطنية، يرفعون فيها شعاراتٍ خاوية، يُنادون بدين وعروبةٍ لم يعودوا يؤمنون بها إلا في شعائرهم وخطاباتهم، يهتفون للماضي لأن الحاضر لا يُلهمهم إلا بالخزي.
ما نفع الفخر بدماء أصيلة إن كانت البغال لا تزال بغالًا؟
الماضي لا يُورَّث، والمجد لا يُستعار. هو يُصنع بالقوة ويُنحت بالصبر والمعرفة والإنجاز، لا بالتفاخر الأجوف ولا بالنحيب على الأطلال.
1,173 Listeners
370 Listeners
23 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
5 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
2 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
2 Listeners
0 Listeners
3 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
3 Listeners
123 Listeners
3 Listeners
4 Listeners
5 Listeners