في كتابه (رأيت رام الله) يقول الأديب والشاعر مريد البرغوثي
“من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من (ثانيا)! نعم. هذا ما فعله رابين بكل بساطه. لقد أهمل الحديث عما جرى (أولا).
ويكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى ينقلب العالم.
يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى تصبح سهام الهنود الحمر هي المجرمة الأصيلة، وبنادق البيض هي الضحية الكاملة!
يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشي!
يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى يصبح غاندي هو المسؤول عن مآسي البريطانيين! يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى يصبح الفيتنامي المحروق هو الذي أساء إلى إنسانية النابالم!
وتصبح أغاني (فكتور هارا) هي العار وليس رصاص (بينوشيت) الذي حصد الآلاف في استاد سنتياغو!
يكفي أن تبدأ حكايتك من (ثانيا) حتى تصبح ستي أم عطا هي المجرمة واريئيل شارون هو ضحيتها!"
يمكن أن نعتبر هذا النص وصف دقيق لبعض ما تقوم فيه الهاسبارا، رأس حربة الدعاية للاحتلال والتي تعمل على توجيه الرأي العالمي ليس بالتضليل وقلب الحقائق فقط، بل بالتصدي لأي محاولة فيها إدانة للاحتلال وجرائمه وملاحقة وتكميم الافواه الناقدة له.
هذا عدى عن أنها تعمل على اعتراض أي مواقف تشي بالتعاطف مع القضية الفلسطينية في العالم.
وكأن مريد البرغوثي ببلاغته يصيغ ما يحدث اليوم على مرأى العالم الغاشم الغشيم!
كل الاعلام العقيم... يبدأ السرد لوصف ما يحصل من إبادة في غزة من (ثانياً) فيصبح عدوان الاحتلال وحرق غزة ببشرها وحجرها حقاً في الدفاع عن النفس!
ينسى العالم (أولا) ستة وسبعين عاما من الاحتلال ويبدأون الحكاية من(ثانيا) السابع من أكتوبر!
أنفقت الحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب على غزة نحو 7,1 مليون دولار على إعلانات يوتيوب في الشهر الأول من الحرب. حيث سعت الى تبرير الهمجية والوحشية بما أسمته محاربة التطرف والإرهاب.
كل المزاعم التي روجت لها وورطت فيها الصحافة الأمريكية والبيت الأبيض، بل والرئيس الأميركي شخصيا اضطروا لنفيها بعد أن تبين زيفها فتراجعت بعض الصحف واضطر البيت (المتلون) الى نفيها وهو يتصبب عرقاً.
وحدهم طلاب الجامعات قرأوا الحكاية من (أولاً)
المجد للطلبة.