في الأحوال الشبيهه بالأحوال اللي احنا عايشينها اليومين دول، اللي هي أجواء حزينة ومؤلمة ومهينة، مفهوم جدا إن الناس يكون جواها طاقة غضب مش عارفين يودوها فين. خاصة واحنا لا قادرين نطول المعتدي، ولا قادرين نطبطب على صاحب المصاب. ولا المجتمع الدولي مدينا أي ودن عشان نصرخ فيها ونقوله حوش، إلحق ، إتصرف، فهو ودن من طين وودن من عجين، ولا حياة لمن تنادي.
فنودي طاقة الغضب دي فين يا ولاد؟ نوديها فين يا ولاد؟ أقولك: ما تيجي نمسك في خناق بعض. وطبعا لا يخفى على حد فينا إن ده نشاط من أمتع النشاطات بالنسبة لنا، وأكترها انتشارا.
نبدأ بأه نلوم بعض: -شايفين اللي بيحصل؟ شايفين؟ ما بتعملوش حاجة ليه؟
=ما بنعملش حاجة عشان مافيش في إيدينا حاجة نعملها، لو انت تعرف طريقة نعمل بيها حاجة يا ريت تقول!
-ماتشات إيه اللي بتتفرجوا عليها؟ ده وقته؟
=ما هو احنا مش عارفين نعمل حاجة فبنحاول نشتت انتباهنا، ده تكنيك دفاعي مش أكتر.
-إفتكروا دايما .. إننا أكلنا يوم أكل الثور الأبيييض.
=والله يا حبيبي صعبان علينا الثور الأبيض، والأسود، والأحمر.
بس انا في إيدي إيه اعمله لهم؟ .. أعملهم إيه؟!
نخرج من فقرة جلد الذات وندخل على فقرة التخوين:
-إنتو يا خونة ياللي مش زعلانين كفاية
=والله يا ابني قلوبنا بتتقطع بس نظهرلك ده ازاي؟
-إنتو يا خونة ياللي في صف القاتل
=يا حبيبي ماحدش مع القاتل، بس برضه المقتول مزعل بعض الناس كده فاعذرهم
-لا ما اعذرهمش.. يا يزعلوا معايا يا يبقوا خونة
=طب خلاص اللي تشوفه.. هنعملك إيه؟
وينسى صديقنا صديق الثور الأبيض، إن أساس المشكلة هي إن كل واحد فينا في اتجاه، وربما إذا قدرنا نجتمع و نلم نفسنا بدل ما بنقطع بعض في كل مناسبة كده، يمكن الناس تعتبرنا كيان جدير بشوية احترام.
يمكن لو عرفنا نوجه غضبنا للاتجاه الصح، وعرفنا ننظم نفسنا ونتكلم، ونتناقش، ونتفاوض صح، يمكن ما كانش يحصل اللي بيحصلنا دلوقت.
لكننا بلينا بقوم قاعدين للتنظير علينا وعلى نفسهم ليل ونهار، دون أي رؤية للمستقبل، دون أي محاولة لإيجاد حلول، دون أي بذل مجهود للتفكير المنطقي، وقراءة الواقع، وتوقع المستقبل، ولا حتى التشجيع في أن يسير أحد في طريق لإيقاف أنهار الدماء. فمعظم هؤلاء لا يهمهم الدماء، ولا يهمهم الأرواح المهدرة ولا الأجسام الممزقة، ولا قلوب الثكالى وصرخات المصابين، بل يؤمنون فقط بالجعجعة، كما تفعل النساء في الحارات الشعبية تحت شعار (طوبة على طوبة خلي العاركة منصوبة).
ولهذا السبب يجب علينا مع تعاطفنا التام مع الثور الأبيض، وخوفنا من أن نلقى مصيره، يجب علينا أن نتجاهل صوت صديقه، الذي لن يأتينا من وراه سوى المزيد من التشتت والإحساس بالمهانة والضيق، دون أي نتائج عملية ملموسة، ودون أن يؤدي ذلك لأن نقترب ولو لخطوة واحدة من انتهاء كل هذا الجنون.